الأوراق التي كانت تسترها مخضرة منداة، عليها طلاوة الغضارة ورونق النضارة. ويصفق في ذلك الكيان البشري كفّا الرغبة فيزلزل الجسم ويخون اللسان صاحبه، وتكشف النظرات خديعة الخيال.
أدركت (أمينة) كل هذا، وكشفت من أمر صاحبها ما رابها أول الأمر، فتعللت بالآمال واستنجدت بخداع نفسها، ولكنها لم تستطع الثبات وأيقنت في آخر الأمر أنه باطل ما أملت، وخيبة ما رجت، ووهم ما تخيلت، وأن العش الذي بنته في سبحات الروح إنما هو في الحقيقة كهف مظلم ينتظرها فيه إنسان في صورته الوحشية الأولى، أو بالحري حيوان على أديمه طيف إنسان! فجفلت ونفرت وارتاعت، وكان عنصر نفسها قوياً فلم تستسلم أو ترتمي حطاماً وتتكسر هشيماً، فأعرضت وصدت عن (صادق) وأرسلت إليه تعلنه بالقطيعة وتحول بينه وبين قلبها وبين جسمها، وتحذره أن يعاود أمره معها أو يحاول الاتصال من جديد بها.
ولكن الوحش الذي كان ينظر فريسته في الكهف المظلم هاجه أن تفلت في لحظة قد أعد فيها الوقود، وتلهب سعير ذلك الوقود في كل قطعة من كيانه، ونادته غريزته أن لا بد من الفوز ولو بارتكاب الجريمة، فعمد إلى تهديدها وسطر لها الخطاب الآتي:
(أمينة)!
(لا تحسبي أمري من الهون بحيث تنقضين وتبرمين في حياتي بمجرد رغبتك وحسب إرادتك. أنت لي، قلباً وجسماً، ولو اصطف أهلك جيشاً، وأعدوا من السلاح أشده وأقتله. فارجعي إليّ وعودي إلى أحضاني، وإلا فليس في يدي غير الانتقام، وعدته جاهزة، وسلاحه مرهف، وخطاباتك أمامي الآن بخط يدك، أرسل بعضها إلى أبيك، وأضعها في يد زملاء أخيك بالمدرسة، وأذيعها على صفحات الجرائد، وفي كل صالون من جيرتك، فتنهال فوق جسمك الذي تضنين به على قبلاتي ومتعتي، العصي والسياط، وينتشر العار حول اسمك، فينالك من رفيقاتك الخزي ومن الراغبين في زواجك الصد والبعد.
إني أنتظرك في الساعة الخامسة من مساء ليوم في مكان لقائنا المعروف. فإن لم تحضري ففي الساعة الثامنة غداً صباحاً سأبدأ انتقامي وتكون في يد أبيك رسائلك، ولقد أنذرتك فأعذرت)