لم تكن أمينة تترقب وقوع هذه الكارثة، وكانت تحسب أنه يكفي أن تعلنه بالقطيعة حتى ينقطع، وأنه حسبها ما تعاني من ألم الخيبة وصدمة الفشل.
لقد كن أول حب نما في قلبها، وكانت فجيعتها فيه لا تقل عن فجيعة الأم الشابة في وليدها الأول الذي لم تكن تصدق أنه يموت من بين يديها، فأعدت الآمال وحاطته برجاء نفسها المطمئنة.
ولقد كان صادق في نظرها شاباً وادعاً هادئاً، ثم رأت منه جنوحاً إلى تكييف العلاقة التي بينهما بصورة لا تريدها. ولم يكن يخطر ببالها أنه سوف ينحط عن هذا درجة بله درجات فيهبط من السماء التي كان يتيه فيها ملكاً فيصبح مجرماً كملايين المجرمين الذين يملئون فجاج الأرض!
إنها نادمة على ما فرط منها من التسرع في مبادلتها الحب لشاب عرفته بالنظر ولم تعرفه بالفكر ولا التجربة، ورأت في نفسها مجرمة في حق نفسها، فهي تريده عاشقاً روحياً عذرياً، ينظر إليها كزوجة المستقبل، مع أن حبهما كان وليد النظرة، ولم يكن ثمرة التعاطف الروحي. . .
إذن هي لم تحبه؛ لم تعشق هذا الإنسان المدعو (صادقاً)، ولكنها أحبت (محبوباً)، رجلاً، لأن (سالبها) الروحي كان معداً (لموجب)، بصرف النظر عن شخصية من يمثله، فأي شاب كان قد حل محله جديراً بأن ينال مركزه في قلبها.
وهذه هي الخفقة الأولى للحب، تتكون عناصرها بسرعة البرق، وتعيش في قلب صاحبها بلهاء! والسعيد من فارقته وشيكاً، والشقي من أطالت رفقتها معه وأثمرت له زواجاً، أو عشرة محرمة، كلاهما يفضي بحياة صاحبه إلى التعاسة.
مرّ كل هذا بخاطر أمينة، ولكنها تذكرت أن هذا الشاب الذي يكتب مثل هذا الكتاب ويتقلب مثل هذا التقلب، لا يحجم عن تنفيذ تهديده، فهو لابد فاعل ما انتوى؛ وغداً في الصباح ستقع في يد أبيها رزمة من الأوراق بخط ابنته التي يعتقد أنها قديسة، والتي يعيش من أجل رفاهتها وسعادتها، ويحوطها بحنانه وشدته كي يبعد عنها عناصر الشر والسوء.
إن التفكير في هول السعير كان ألطف وقعاً عندها من التفكير فيما عسى أن يفعل أبوها،