وهو ذلك الرجل القوي الذي يبعث الرعب في نفس كل من حوله من نظرته، والذي إذا قدم البيت شاع فيه السكون وعقد الصمت ألسنة سكانه، والذي يضرب المثل بالمصلحة الحكومية التي يديرها من حيث إنجاز العمل فيها والهدوء الذي يهيمن على نواحيها، والذي يخافه أهل العزبة خوفاً لعلهم - بينهم وبين أنفسهم - لا يخافون الله مثله.
العزبة! لقد مرت على رأسها ذكريات ذلك الشاب القروي الذي يسكن العزبة، والذي اتهمه شيخها بأنه يتصل بفتاة قروية مثله، فأحضره أبوها وجلده بالسوط حتى كاد أن يموت، وأجبره على الزواج منها والرحيل عن العزبة!
ترى إذا كان هذا فعله بالقروي الحقير، الغريب عنه، فماذا هو فاعل بابنته، عرضه، دمه ولحمه؟!
أتراه إذا قرأ خطاباتها إلى صادق، وهي تدعوه فيها (حبيبها) و (أملها)، والتي تسهب فيها في شرح عواطفها وما يخالج فؤادها من عشق مبرح وهوى جائح، والتي تصف فيها سهرها الليل ومناجاتها إياه، وتفكيرها في السعي إليه وهجران الدار إلى لقائه، لولا ما وضع أمامها من موانع، والتي تذكر في بعضها كيف حطمت هذه الموانع ولاقته؟!. . .
وكانت كلما تذكرت أباها عندما يدرك أن ابنته الصغيرة كانت تخدعه وتسخر من قواعده المقررة في الدار، وتعصي أوامره، وتتستر بالأعذار الكاذبة لتلاقي. . . عشيقاً لها! ينتصب شعر رأسها فزعاً وترتعش كمن مسه تيار كهربائي، وتتساءل: يا ترى إذا رحم شبابها، وذكر أنها كبده وثمرة حشاه، هل يكتفي بقتلها برصاصة تودي بحياتها دون أن يطيل عذابها؟!
عند هذا الخاطر كانت تضعف أمينة، فتقوم من نورها إلى ثيابها ترتديها تنوي الذهاب لملاقاته والتوسل إليه كي يقلع عما قطع فيه بعزمه، لعله يلين ويرفق بحالها، ولكنها سرعان ما ترجع عما نوت، وتظهر لها خسة هذا الشاب وحقارته، وكيف أنه لجأ إلى التهديد بدل أن يلجأ إلى الرجاء، (وهذا الخلق من شأنه) أن يجعل صاحبه يتمادى لا يرق للرجاء والتوسل! ثم. . كيف ترجو وكيف تتوسل؟ وترجو من؟ هذا الوضيع؟ إن الموت أحب إليها من أن تفعل، وملاقاة حتفها أيسر من تحطيم كبريائها وعيشها ذليلة يتصرف في شأنها رجل تكرهه، بل ذئب يشتهيها، وهي كالأمة، لا تملك إلا الرضاء والتسليم.