ترجع فتخلع ما لبست وترتمي محطمة على الأريكة وحياتها أمامها مظلمة لا ينبثق منها نور ولو من بعيد.
ثم تتذكر تهديد صادق لها بأن يعرض رسائلها على زملاء أخيها في المدرسة، وتتصور أخاها الشاب الكامل، البسام، المرح، المعتز بقوة عقله وقوة جسمه، فهو الأول بين أقرانه، وهو بطل المدرسة في الملاكمة، وهو يعد نفسه ليدخل مدرسة البوليس ليصبح ضابطاً. كيف يكون حاله لو شاع هذا الأمر بين زملائه وأصبح عرضة للازدراء والتحقير والتعيير؟ ستتحطم كبرياؤه ويمشي بينهم منكس الرأس عاني الجبين. . .
يا ترى هل ينتقم منها هو الآخر، أم يكفيه ما يحل به هو نفسه؟ إذن جنايتها مزدوجة. لقد حطمت نفسها وقتلت أخاها! ما أكره هذا الحب. ما أبعده عما يصور الكتاب والشعراء وينطق الممثلون ويرسم المصورون! إنه خداع وكذب ووهم يعيش في ظلمات الرؤوس والنفوس، حتى إذا ما برز إلى ضوء الحياة ظهر كالمسيخ المجذوم المهزول!
وكان الليل يهبط، وظلامه ينبث في الكون، ونافذتها المطلة على الخلاء البعيد تسرق لها كثيراً من جمال الليل وجلاله، ولكنها كانت ترى كل جمال مشوهاً وكل جلال حقيراً.
لم تتناول طعاماً، ولم تخرج من غرفتها. فهي تروح فيها وتجيء، وترتمي على الأرائك والحشايا، ثم تهب مذعورة كأن في هذه المقاعد جمرات تتوقد ثم لا تلبث أن تسرع فتجلس مرة أخرى وتستسلم للتفكير. . . والليل يوغل في المسير، وكأنه يسير على صدرها بكلكله، والأفكار تتوالى على رأسها سوداء فتاكة. . .
إنه قد ينفذ تهديده الأخير وينشر أمره وأمرها في الصحف، والصحف أصبحت ميداناً لنشر فضائح الناس حقيقها ومكذوبها، ويعرف هؤلاء الناس عندئذ أن هذا (البك) الجبار الذي يشمخ بأنفه ويعتز بكرامته إنما هو أب فاسد عربيد لم يستطع أن يحتفظ بعرضه، فما باله يريد أن يملي إرادته على الناس أجمعين؟! ياله من أبله ذي غفلة!!
وأهلها وأصدقاؤها الذين يتوددون إليها ويبدون لها الزلفى، ويسعون لها بالحب سيزدرونها ويتنكرون لها ويصبحون ألسنة تذيع ما قد يستطيع أن ينشئه الخيال من قصتها.
لقد فقدت الأب والأخ والأهل والأصدقاء، وفقدت الكرامة، وفقدت آمالها وسوف تعيش منعزلة منبوذة - إن عاشت - وسوف تموت ذليلة مزدراة إن عالجها الموت فأراحها،