ليست هذه القبعة في تركيا هي القبعة، بل هي كلمة سبٍّ للعرب وردِّ على الإسلام، ضاقت بها كلُّ الأساليب أن تظهرها واضحة بينة فلم يفِ بها إلا هذا الأسلوب وحده، وهي إعلان سياسي بالمناوأة والمخالفة والانحراف عنا واطّراحِنا، فإن الذي يخرج من أمته لا يخرج منها وهو في ثيابها وشعارها؛ فبهذا انفتح لهم باب الخروج في القبعة دون غيرها مما يجري فيه التقليد أو يُبدعه الابتكار؛ وإلا فأي سر في هذه القبعات، ومتى كانت الأمم تقاس بمقاييس الخياطين. . . .؟
ههنا سيفٌ أراد أن يكون مِقَصاً، فعمل ما يعمل الحسام البتار فأجاد وأبدع وأكبره الناس وأعظموه، ثم صنع ما يصنع المقصُّ فماذا عساه يأتي به إلا ما ينكره الأبطال والخياطون جميعاً.
أكُتِبَ علينا أن نظلَّ دهرنا نبحث في التقليد الأعمى وألا يحيا الشرقي لا مستعبَداً ينتظر في كل أموره من يقول له: أشْرَعْ لي. . . إن بحثنا فلنبحث في زيّ جديد نتميَّز به فتكون القوى الكامنة فينا وفي طبيعة أرضنا وجوّنا هي التي اخترعت لظاهرها ما يجعله ظاهرَها، كما يُخرج زَوْرُ الأسد لِبْدةَ الأسد غايةً في المنفعة والجمال والملاءمة.
أنا أَلبس ما شئت ولكني عند القبَّعة أجد حداً تقف إليه ذاتيتي الفردية فلا أرى ثَمَّةَ موضعَ انفراد ولكن موضع مشاكلة، ولا أعرف صفة منفعة لي بل صفة حقيقة مني، ويعترضني من هناك المعنى الذي يصير به النوع إلى الجنس والواحد إلى الجماعة. وما دمت مسلماً أصلي وأركع وأسجد فالقبعة نفسها تقول لي دعني فلست لك.
وهؤلاء الرجال الذين لبسوها في مصر إنما اشتقُّوها من المصدر نفس المصدر الذي يخرج منها التهتك في النساء، وكلاهما منزع من المخالفة، وكلاهما ضِدٌّ من صفة اجتماعية تقوم بها فضيلةٌ شرقية عمة. وليس يعدم قائل وجهاً من القول في تزيين القبعة ولا مذهباً من الرأي في الاحتجاج لها، غير أن المذاهب الفلسفية لا يُعجزها أن تقيم لك البرهان جَدَلاً محضاً على أن حياء المرأة وعفتها إن هما إلا رذيلتان في الفن. . . وإن هما إلا مرض وضعف؟، وإن هما إلا كيت وكيت، ثم تنتهي الفلسفة إلى عدّهما من البلاهة والغفلة، وما الغفلة والبلاهة لا أن تريد فلسفة من فلسفات الدنيا أن تقحم في كتاب الصلاة مثلاً فصلاً في. . . في. . . في الدعارة.