عشر رجلاً ممن ينفذون إلى الأعماق! قلت: إني أطلق على حضارتنا الحالية: (حضارة السندوتش)؛ فالناس يمرون بمحال (السندوتش) ليطعموا طعامهم على وجه الاستعجال، كما يعبر رجال القانون، ولا يضيرهم بعد ذلك أن تتأذى معداتهم وأعصابهم ما داموا قد تناولوا وجبتهم بحال من الأحوال. . .! ولقد طغت تلك المحال على المطعم الأصيل فكادت تجليه عن مكانه. أنظر حيثما شئت تجد أنوارا لامعة في الأرض تكاد تباهي كواكب السماء! إنها ليست أنوار معهد ولا مستشفى، ولكنها أنوار السينما والسندوتش. وكلما ذهبت الفتاة إلى الطبيب أو شكا الطالب إلى أستاذه رجاهما الطبيب أو الأستاذ أن يقلعا، أو يقللا، من ارتياد السينما ومن ازدراد السندوتش. . .
وكما قضى السندوتش على المطعم تكاد تقضي المذكرات في الجامعة على المراجع، والخليلات على الحليلات، والمسكنات السياسية على الصلاح العميق، وشهوات الساعة على واجب التاريخ. . . والأدب الرخيص على الأدب العالي. . . والمجلات الخفيفة على الكتب. . . ولنفس الأسباب. . وفي عبارة موجزة: لكأن هذا الجيل ليس من مصر! وكأنما هو يقضى منها وطرأ، أو كأنه فيها عابر سبيل. . . .
وتطرق الحديث - حتما - إلى البلاج، إلى الماء، وإلى فنون الماء، وما أدراك ما فنون الماء: العزاء، والإغراء، واستهتار الرجال وتبذل النساء! وخرج كل منا من الحديث غضبان أسفاً.
ومع ذلك فالدولاب يسير. . . وظواهر الأشياء لا تنبئ إلا عن خير الأشياء. . .
وكل شيء بخير: سيدتي المركيزة: المتاع سرق
وكل شيء بخير: سيدتي المركيزة: والقصر يحترق
وكل شيء بخير: سيدتي المركيزة
وانفرط العقد، وانصرم الليل، وأرسلت الشمس شعاعها في الصباح أصفر وهاجاً نافذاً في أعماق اليمِّ كأنه سهم ذهبي بديع يتوهج في طبقات الأفق، والتقى الصديقان بعد عشرة أعوام وبعد رحلة طويلة في أوربا، وبعد أن (كانا يظنان كل الظن أنْ لا تلاقيا). . . وانطلقا على الشاطئ.
قال الذي رجع من أوربا: أرأيت أني وجدت في مصر ما لم أجد في أوربا؟ قال له