صاحبه: أنسيت أن إسماعيل قد جعلها قطعة من أوربا؟ ومنذ ستين عاماً! قال إنها كلمة تعدل كل ديون إسماعيل، فهو كما أفقر الأمة في أموالها أفقرها بهذا الذي ظن أنه صيّرها إليه. . . إنك لا ترى على هذا الشاطئ إلا أقبح القبيح الذي تنكره أوربا. . لكأن الناس يا صديقي قد جاءوا إليه ليتعروا فيه لا ليصطافوا عنده. . . .
وانطلقا حتى بلغا مجمع البحرين قال: نظر إلى النيل يقذف بنفسه في صميم البحر لأبيض؛ إنه ينطلق كالقذيفة في البحر. . وترى ماءه الأحمر أو الأسمر، بل تستطيع أن تشربه عذباً على بعد أميال من الشاطئ؛ ولكنك بعد أميال أخرى لا تراه؛ ويفنى اللون الأسمر في اللون الأزرق، والماء العذب في الماء الملح؛ وهكذا نحن نقذف بأنفسنا في ذلك الخضم الأوربي ولكن مع فارق ضخم هو أن الماء يسع الماء، أما الحضارة الأخرى فإنها تلفظنا. . .
وانطلقنا. . . . فهما الآن عند الكازينو: حيث الفتيات يواعدن الفتيان جهرة. . .! لكأنه يوم الزينة، وكأن الناس قد حُشروا ضحى. .! لا ليشهدوا سحرة فرعون ولا آية موسى، ولكن ليشهدوا السحر الحرام. . فيرى الإناث الرجال المتأنثين، ويرى الرجال النساء المسترجلات. . . . وإلا فلماذا لا يحتشد ذلك الجمع على الشاطئ الذي يبدأ من بور سعيد وينتهي عند البرلس بمصيف آخر؟ لماذا لا يحتشد ذلك الجمع إلا أمام الكازينو؟ ارجع البصر يا صديقي إلى ذلك الحوت المستلقي على الشاطئ! ثم ارجع البصر كرتين، هنالك، تلك الفتاة التي وصفها النقيب (سانت أوبان) في مرافعته عن فكتور مرجريت عندما قدموه للمحاكمة من جراء (لا جارسون) - تلك الرواية التي صارت بعد خمسة عشر عاماً من أعف الروايات!! - قال سنت أوبان (. . أين تلك البطة المسربلة بالبياض وهي تقسم يمين الطاعة لزوجها في المعبد من هذه الفتاة العارية المتمددة على رمال الشاطئ تعرض جسدها على الطبيعة تستقبل أشعة الشمس حقاً ولكنها تستقبل أيضاً تلك الأشعة النارية المسلطة عليها من عيون الناظرين. . .)
وانطلقا نحو علم أخضر يتراءى على البعد. قال أحدهما إنك ترهقني عسرا إذا سرت بي إلى حيث هذا العلم؛ إنني أراه فوق الشاطئ الذي نحن عليه كطربوش الميت على الآلة الحدباء التي تحمله؛ وهو من مجد هذا الشعب المنتشر على هذا الشاطئ كالنشيد الذي أجازوه مائة جنيه لأنه خالٍ من المعنى، خالٍ من الإحساس، ومع ذلك جعلوه نشيدنا