ولندع مقال الأستاذ لأدون رأيي في مسألة الشعر المرسل واضحا جليا حتى لا يتورط غير الأستاذ فيما تورط فيه.
الجدال في الشعر المرسل لا يقوم على أساس، فالمسألة ليست من مسائل الحساب أو المنطق، وإنما هي مسألة حس. أنت تسمع نغما فيعجبك، وأنا أسمعه فلا يعجبني، فإذا تناقشنا أعواما ما استطاع أن يقنع أحدنا الآخر. أذني تستسيغ الشعر العربي مرسلا، وقد تكون أذني شاذة، ولكنك لن تقنعني بعدم استساغته. ستقول لي: ولكن المسألة ليست فوضى، فهناك الذوق العام، ولكني وإن كنت أحترم الذوق العام لا أقبل حكمه دائما، وفي كل الأحوال، فالذوق العام له تاريخ في مثل هذه الأحوال يجعلني أتشبث برأيي. فقد يستسيغ الذوق العام غدا ويشغف بما لم يطق سماعه بالأمس، وفي مسألة الشعر المرسل خاصة كان للذوق العام تاريخ يعيد نفسه منذ كان هذا النوع من الشعر بغيضا غير مستساغ أول ظهوره في كل لغة ظهر فيها، فلا ضير أن يكون كذلك في اللغة العربية أيضا.
ثم هناك ناحية أخرى، فالذوق العام لا يستطيع اليوم أن يحكم حكما عادلا في الشعر المرسل لأنه لم يسمع منه الا القليل، وقد لا يكون في هذا القليل شئ جميل رائع كالذي في الشعر المقفى.
وقد تقول لي أخيرا أن طبيعة اللغة العربية لا توافق مثل هذا النوع من الشعر، وأنا وإن كنت لا أستطيع التحدث عن طبيعة اللغة العربية بمثل هذه السهولة الا أني أزعم أنها قد تتحور قليلا فتقبله. وأنت إن استطعت الحكم على الماضي والحاضر فلن تستطيع الحكم على المستقبل. ولكن ما بال طبيعة اللغة قبلت تغيير القافية في القصيدة الواحدة إذا غيرتها كل خمسة أبيات مثلا، ولا تقبلها إذا غيرتها في كل بيت؟. ثم ما بال طبيعة اللغة قبلت تغيير القافية في كل بيت إذا ما راعيت القافية بين شطري كل بيت على حدة، ولا تقبل تغير القافية دون مراعاة الموافقة بين الشطرين؟ ثم ما بالها أخيرا قبلت تغير البحور في القصيدة الواحدة ولا تقبل تغير القافية ولزوم بحر واحد؟ ستقول ولكن في كل هذا نوعا من القافية كافياً لإحداث تلك الموسيقى المألوفة. إذن أصبحت تقتنع بشيء من القافية بعد أن كان الشعر العربي لا يقنع الا بالقافية كلها متبعة من أول القصيدة إلى آخرها. وإذا قبلت