واختصار ابن الأنباري خبر التنوخي هو الذي دفع الأستاذ إلى هذا التأويل. وأصل خبر التنوخي أنه قال: حدثني أبي قال: أما أنا فإني سألته بالأهواز سنة أربع وخمسين وثلاثمائة - عند اجتيازه بها إلى فارس في حديث طويل جرى بيننا - عن معنى المتنبي، لأني أردت أن أسمع منه هل تنبأ أم لا، فأجابني بجواب مغالط لي، وهو أن قال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة! فاستحييت أن أستقصي عليه وأمسكت) فالمغالطة في قوله (أوجبته الصورة) والصورة ههنا الصفة على اصطلاح أهل الكلام، وصفة الحداثة لا توجب ادعاء النبوّة، فهذا هو وجه المغالطة. فلما رأى التنوخي - وهو شابٌ لم يعدُ السابعة والعشرين من عمره، وأبو الطيب إذ ذاك شيخٌ قد نيَّف على الخمسين - ما أصاب هذا الشيخ من الحرج وضيق الصدر حتى لجأ إلى المغالطة في التعليل، وتبرير فعلته على السفسطة، استحيا أن يستقصي على هذا الشيخ فأمسك عن الذي يؤلمه ويغيظه ويضع من كبريائه ويحط من شيخوخته، ويلجئُه إلى ركوب الإحالة في المنطق، والفساد في التعليل.
٢ - ويقول الأستاذ سعيد:(يورد الأستاذ على حديث أبي عليّ بن أبي حامد شبهة واحدة بعد أن يقرّ بأحكامه، ويقول عنه في ص ٤٩: (فهو حديث محكم لا يأتيه التوهين إلا من قبل غرابته عما جرت عليه الأحكام في شأن من يدعون النبوة. . . الخ).
وقد أطال في بيان وجه الغرابة بما لا فائدة بنقله هنا. (سبحان الله يا سعيد!!) والذي في كلام أبي عليّ هو هذا: (فاستتابه وكتب عليه وثيقة وأشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاهُ ورجوعه إلى الإسلام)، وجليٌّ أنهم استتابوه من دعوى النبوّة فرجع بذلك إلى الإسلام، أما الوثيقة فهي ببطلان علويته، وبهذا تزول شبهة الأستاذ (!!) فأن من المألوف أن تكتب الوثائق في إثبات الأنساب ونفيها) اهـ.
وعجبٌ أمر الأستاذ سعيد في حرصه على تأويل الكلام بما لا وجه له ولا أصل؛ وهو في نقله هذا النص قد اعتمد على كتاب ابن الأنباري، وهو مولعٌ باختصار الأخبار (واختزالها) وهذا تمام خبر أبي علي بن أبي حامد:
(أخبرنا التنوخي، حدثني أبي، قال حدثني أبو عليّ بن أبي حامد، قال: سمعت خلقاً بحلب يحكون - وأبو الطيب بها إذ ذاك - أنه تنبأ ببادية السماوة ونواحيها، إلى أن خرج إليه