للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ترك ادعاء النبوّةِ بقي على دعواه الأولى) والخبر يقول إنه (ادعىّ العلوية، ثم ادعىّ النبوّة، ثم عاد يدعي أنه علوي)، والعربية تقول إن هذا النص لا يمكن تأويله على الوجه الذي أراده الأستاذ فإن لها ألفاظاً، وإن لألفاظها معاني، وإن لمعانيها حدوداً؛ فإخراج المعنى عن حده إخراج للفظ عن معناه، وإخراج اللفظ عن معناه إخراج له عن العربية. يقول الخبر: (ثم عاد يدّعي أنه علويّ) فيقول الأستاذ مؤوّله، ومعنى ذلك (ثم بقي على دعوى العلوية)!! ثم يقول الأستاذ: (ومنها ومن الرواية التي قبلها نفهم (أولاً نفهم، فالأمر بعد هذا سواء) أنه لما أطلق ترك الدعويين معاً، فتاب من تنبئه؛ وكتب وثيقة ببطلان انتسابه للعلويين). ففي الخبر الذي قبل هذا أقحم الأستاذ العلوية ولا ذكر لها فيه وجعل الوثيقة المذكورة فيه يراد بها دعوى العلوية، وفي هذا الخبر الذي رواه ولا ذكر للوثيقة فيه أقحم الوثيقة التي يراد بها الإشهاد عليه فيها ببطلان انتسابه للعلوية التي ادعاها، وذكرها الخبر مرتين. فهذا أروعُ ما وقع لي من القدرة على الجمع بين الروايات (كما هو مستوفي يكتب مصطلح الحديث، وأنا أستحي أن أشرح هذا في مجلة (الرسالة). . . مما يدرسهُ الطلاب المبتدئون).

وهذا الخبر أيضاً اعتمد الأستاذ في نقله على (اختزال) أبي البركات (ابن الأنباري) في طبقات الأدباء. وسياقُ الرواية هكذا: (وقد كان المتنبي لما خرج إلى كلبٍ وأقامَ فيهم ادَّعى أنه علويٌّ حسنيٌّ، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علويٌّ، إلى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعويين، وحبس دهراً طويلاً وأشرف على القتل، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق). وقد كان هذا النصُّ أمثل من (مختزل) ابن الأنباريّ للذي يعتمده الأستاذ من التأويل، وهو أحفل له في استخراج مادة الجدل في التفسير والتوجيه. على أن هذا الخبر هو كما وصفناهُ في كتابنا ص ٤٨ (عجيبٌ لا يفرغ من العجب من اختصاره وتداخله). فمن ذلك أنه صريحٌ بينٌ في الدلالة على أنه قد أشهد على أبي الطيب مرتين: (الأولى) إشهادٌ عليه بأنه قد كذب في (الدعويين) و (الآخرة) استتابةٌ وإشهادٌ عليه بالتوبة.

ففي المرة الأولى ذكر ابن شيبان الهاشمي (دعويين) أشهد أبو الطيب على نفسه بالكذب فيهما، فإن أراد (بالدعويين) دعوى العلوية ودعوى النبوّة جميعاً كان كلامُهُ كلُّهُ خَلطاَ متداخلاً، فأنه ليس يكفي فيمن ادعى النبوّة أن يشهد على نفسِه بالكذب، بل لا بُدّ مَعهُ من الاستتابة والرجوع إلى الإسلام والإفرار به، فإن لم يُعط ذلك قُتِل، فإن كان فُعِل معهُ ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>