وتاب وأقرّ فما قوله بعد ذلك (وحُبس دهراً طويلاً (سنتين) وأشرف على القتل (ثم) استتيب، وأشهد عليه بالتوبة وأطلق) ولم أعيدت استتابته؟ أيكون هذا كله لغواً باطلاً من القول!!
فإن أراد (بالدعويين) ادعاء العلوية في المرة الأولى والمرة الآخرة فالأمر في ذلك على خلاف المعقول. أيقدم الوالي الإشهاد بالكذب في دعوى العلوية، وهي لا تخرج من الإسلام، ولا يكفر بها مدعيها، ولا يقتل من أجلها إن أصر عليها، ويدع ادعاءه النبوة فلا يقتله أو يستتيبه إلا بعد أن يحبسه دهراً طويلاً حتى يشرف على القتل، فيومئذ يستتيبه ويشهد عليه بالتوبة!!
ولفساد هذا الخبر وجوهٌ أخرى، ولكنه على أي وجهيه أدرته، لا يسوغ للأستاذ أن يقول فيه (وهذه الرواية تعني أنه ما تخلى عن دعوى العلوية، وحين ترك النبوة بقي على ادعائه العلوية) إلا أن يلغي معاني الكلمات التي وردت فيه، أو يحيلها عن وجهها؛ فتكون ثم، وعاد، كلمات مغسولة من المعاني، ثم يزيد على ذلك أن يزيد في الكلام معاني ألفاظ لم تكن فيه كقوله (وحين ترك النبوة بقي على ادعائه العلوية) ولو أراد الأستاذ أن يتأول هذا الخبر على وجه مقارب خرج له إلا أن يقول فيه (إن أبا الطيب تخلى عن دعوى العلوية، وحين تركها بقي على ادعاء النبوة حتى استتيب فأطلق) وهذا محال.
وليعلم الأستاذ أني تركت له أبواباً من القول توطئ له أن ينفذ إلى الاعتراض، فليعترض قولي بما شاء. ولكني أسأله أن ينظر في اعتراضه أولاً ثم في الخبر بعد، ثم في كلامي آخراً، فلعله يجد في ذلك ما يمنعه من الاعتراض ويقنعه بالصواب. وأسأله أيضاً أن يتحرى في فهم الأخبار ما تقتضيه عربية الكلام حتى تستقيم له المعاني، وتتجه به الآراء إلى الحق والهدى إنشاء الله.