ذرعته بخطواتي يكبرون في صمت وسكون، ويتضخمون ورائي، ويبدون سوداً ضخاماً حذائي، ثم يختفون فجأة كالأشباح السنجابية حول ركن بيت أبيض قائم هناك، ثم يقدمون ثانية نحوي من حول الركن ويذوبون في المسافة الرمادية المفعمة بالثلج الصامت المتحرك مدثرين في معاطفهم الضخمة حتى انعدمت أشكالهم واختفت أجسامهم، سائرين صامتين على غرار واحد يشابهوني، وفكرت في أن رهطاً من هؤلاء الناس كانوا يمشون مثلي رائحين غادين منتظرين مترقبين راجفين في صمت. . . . ويفكرون تفكيرهم المبهم الحزين.
انتظرتها فلم تجيء. . . ولم أدر لم أعول وأذرف الدمع السخين وأرسل العبرات الغزار؟ لم أدر لم لم أبك في ألم وحزن؟ لم أدر لم ضحكت وكنت سعيداً جذلاً طروباً؟ قبضت أصابعي إلى راحتي بقوة كأنها المخالب، وتخيلت أني أقبض بشدة على المخلوق السام. . . . الحية. . . . الكذب. . . . فالتفت علي ذراعي وعضت قلبي وأصابني من سمها الزعاف الدوار الشديد. بدا كل ما حولي أكاذيب مجسمة، وانمحى الحد الفاصل بين الحاضر والمستقبل، بين الحاضر والماضي، انمحى الحد بين الوقت الذي كنت فيه في غيابات العدم، والوقت الذي بعثت فيه في هذه الحياة الدنيا. . . . . . وفكرت في نفسي - سواء وجدت أو لم أوجد - كانت أبداً قبل أن أوجد وبعد أن وجدت متسلطة على كياني وجثماني. ومن الغريب علي أن أفكر في أن لها اسماً وجسماً وأن لكيانها ووجودها نهاية وبداية. . . ليس لها اسم مطلقاً، وإنما كانت دائماً المخلوقة الكاذبة، والتي تعد ولا تفي بوعدها أبداً. . . لم أدر لماذا هكذا. ولكنني ضحكت، وغاصت الإبر الحادة في قلبي، وضحك عند أذني إنسان سجين:
(هو. . . هو. . . هو. . .).
وفتحت عيني ورأيت نوافذ المنزل الشاهق المضيئة، وأخذت النوافذ تحدثني بألسنتها الزرقاء الحمراء بكل هدوء:
(إنها تخونك في هذه اللحظة، فبينما أنت تتجول ذارعاً الأرصفة مترقباً حضورها معذباً كئيباً، إذا بها وكلها جمال ونور وإشراق. . . وخيانة، جالسة هنا تسمع همسات الرجل الصبوح الطويل الذي احتقرك وازدراك. إنك إذا اندفعت إلى داخل المنزل وقتلتها ستعمل