(إنك لن تقتلها أبداً. . لأن الآلة التي في يدك هي الكذب بعينه، كقبلاتها تماماً).
واختفت الظلال المترقبة الصامتة وبقيت وحيداً في هذه البقعة الباردة، أنا وألسنة اللهب المنعزلة التي ترجف من البرد والخيبة. . وأخذت الساعة في قبة الكنيسة القريبة تدق، وكان صوتها المعدني الحزين يرتجف وينتحب ويتمدد. ويفقد نفسه في الثلج المدوم المجنون الهاطل؛ وأحصيت الدقات وضحكت، دقت الساعة الخامسة عشرة. كانت قبة جرس الكنيسة قديمة بالية كساعتها. ومع أن الساعة كانت سائرة على منوال حسن، فإنها كانت تدق غالباً أكثر من اللازم، حتى إن الرجل العجوز الذي كان يحركها صعد إلى القبة ليقف بيديه اللسان الضارب. علام كانت تكذب هذه الأصوات الراجفة الحزينة التي يخنقها الظلام الضبابي؟
وانفتح الباب الزجاجي مع آخر دقة كاذبة للساعة، وهبط الرجل الطويل نفسه الدرجات. وعلى الرغم من أني رأيت ظهره عرفته لأني كنت قد شاهدته أمس بوقاحته وغطرسته. . . عرفت مشيته وكانت اليوم أخف حركة وأكثر ثباتاً منها بالأمس. . لقد غادرت من قبل هذا المنزل كما غادره هذا الرجل الآن. إنها الطريقة التي يمشي بها الرجال الذين لا تزال على شفاههم قبلات المرأة الكاذبة.
هددت. . . رجوت. . . قضقضت بأسناني. . .
(قولي الحقيقة. . .).
فسألتني، ووجهها جامد كالثلج، وحاجباها مرتفعان في استغراب، ومن عينيها يطل إنسانان سوداوان سريّان هادئان، لا يسبر غورهما:
(ولكن. . . هل كذبت عليك؟).
وكانت تعرف أني لا أستطيع البرهان على كذبها، وأن كل أبحاثي وأوهامي وجهودي في معرفة الحقيقة ستذهب هباء بعد كلمة واحدة منها. . . كلمة كذب واحدة. . . ولقد ترقبت