للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما قبضوا عليّ انطلقت أضحك جذلاً، وكل من رآني عد فعلتي عملاً وحشياً مرعباً؛ كانوا يديرون ظهورهم نافرين متراجعين، وأخذ بعضهم وقد روع يوجه إلي ضروب اللوم والتعنيف الشديد، على أنهم لما بصروا بحالي المرح الطروب، شحبت وجوههم، وسمرت أقدامهم، وقالوا: (مجنون).

ويبدو لي أن هذه الكلمة هدأت ثائرتهم وأقرت هائجهم، لأنها أعانتهم على حل اللغز. كيف وأنا المحب الوامق أقتل عشيقتي، وفي الوقت نفسه أضحك؟ على أن رجلاً بادنا أحمر الوجه طروباً سماني اسماً آخر. ولشد ما ساء ني منه هذا حتى اسود في عيني النور، النور الذي كان أمامي.

(مسكين. . .) قالها في عطف لا تشوبه المرارة، لأنه كان بادناً طروباً:

(مسكين).

فصحت في وجهه: (لا تقل هذا. . . . . . . . لا تسمني بهذا الاسم).

ولم أدر لم صحت في وجه الرجل، ما كنت بالطبع أرغب في قتله، ولا حتى في لمسه، ولكن القوم الذين أذهلهم الحادث وأخذوني كمجنون ومجرم، انقلبوا أكثر رعباً وفزعاً، وصاحوا بطريقة جعلتني أضحك مرة أخرى.

ولما قادونيبعيداً عن الغرفة التي تمددت فيها الجثة قلت ثانية في صوت عال ملتفتاً إلى الرجل البادن الطروب:

(أنا سعيد. . . أنا سعيد).

وكان هذا حقاً.

رأيت مرة في صباي نمراً أرقط في حديقة الحيوانات، لفت نظري وشغل تفكيري، لم يكن كالحيوانات الأخرى التي نامت في حماقة وأخذت ترمي الزوار بالنظر الشزر. وإنما مشى في قفصه في خط مستقيم من ركن في دقة حسابية عجيبة! كان في كل مرة يرجع إلى المكان الذي بدأ منه، وفي كل مرة يحك فروته الذهبية في حاجز القفص ورأسه الحاد المفترس مطأطئ، وعيناه تتطلعان إلى الأمام، ولم يتجه قط ينظره إلى الناس. . . والناس يتجمعون حول قفصه طول اليوم، متحدثين صاخبين، وهو يواصل تجولاته ولا ينظر إليهم مطلقاً. وقليل من الوجوه في هذا الحشد كنت باسمة، وكثرتها كانت عابسة بل حزينة وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>