أما الأدب الإنجليزي فلم يخنقه جو المدينة أو يرهقه تقليد القدماء إلا في عصر محدود ما لبث أن بددته النهضة الرومانسية التي كانت في جوهرها عودةً إلى الطبيعة أي إلى الشعر الصحيح وبين النقاد المحدثين من يأبى قبول ما نظمه أقطاب العهد الكلاسي في عداد الشعر الصحيح، وفيما عدا ذلك العهد كانت الطبيعة دائماً قبلة الشعراء شَغَفَهم بها حبّاً أمران: تعدُّدُ مجاليها وتتابع تقلباتها واختلاف صورها في بلادهم، ودراستهم للشعر الإغريقي الحافل بالصور الطبيعية، ويتجلى أثر هذا العامل الأخير في المقطوعة التي نظمها كيتس معبراً عن شديد حبوره وبالغ متعته عقب قراءة ترجمة الإلياذة.
بيد أن اللغة العربية ذاتها حافلة بالأسماء والأوصاف لشتى مظاهر الطبيعة وآثارها، وحالاتها وأوقاتها، غنية بكل ما يحتاج إليه الأديب القدير لينقل على القرطاس أيّ المناظر الطبيعية شاء، نقل المصور الصناع، وهنا أيضاً يبدو لنا التفاوت بين مقدرة اللغة واستعدادها، وتقصير أدباء العربية في عهد ازدهار الحضارة دون كثير من غايات الأدب.