العربية من وصف الجنان والفلوات، والأصائل والأسحار، والغيم والمطر، والطير والوحش، وشعره في كل هذا يضارع أسمى ما في الشعر الإنجليزي.
وضآلة حظ الطبيعة في الأدب العربي راجعة إلى عوامل متتابعة توالت على الأدب في مختلف عصوره، فحالت دون أن يكون ترجمانا صادقاً مبيناً لشعور أصحابه في هذا الباب، وهي أولاً بداوة العرب في أول تاريخهم، وثانياً تكسب الشعراء بشعرهم في عهد الحضارة والدولة، وثالثاً شدة محافظتهم وتقليدهم للمتقدمين، وأخيراً تغلب الصنعة اللفظية في عهد تدهور الأدب.
فوصف محاسن الطبيعة وآثارها في النفس وصفاً مسهباً محكماً مقصوداً لذاته عمل فني لا يتأتى إلا بأعمال الفكر ورياضة النظم، وهو مالا يتيسر في عهد البداوة، فضلاً عن أن المناظر الصحراوية واحدة متكررة صارمة لا تحفز إلى التصوير الشعري المسهب كما تحفز إلى التأمل في الخالق ورهبته وحكمه صنعه، وقد ظلت هذه النزعة الدينية التي بثتها البادية في نفوس العرب، وكانت التنشئة الدينية في العصور التالية تنميها فيهم منذ الصغر، مصاحبة لهم فيما بعد، تغْلبُهم على الاستمتاع بروائع الجمال الطبيعي وآيات الفن الإنساني، فنرى شاعرهم إذا وقف بمنظر فتان أو أثر خلَّفه القدماء فسرعان ما ينصرف عما ثمت من معاني الجمال أو القوة إلى التسليم بعظمة الخالق وضعف المخلوق وفناء الأفلاك وسقوط الجبابرة، وقد سبق التمثيل لشيء من ذلك، والبحتري يقول:
أناة أيها الفلك المدار ... أنهب ما تصرف أم جُبار؟
ستَفنى مثل ما تُفنى وتَبلى ... كما تُبلى فيدرَك منك ثار
ولما تحضر العرب وشاهدوا الأقطار الواسعة ونعموا في الجنات اليانعة، ودخل أدبهم في طور الثقافة والصناعة الفنية، ظهرت آثار الوصف الطبيعي في بعض أشعارهم، ولكنها كانت قليلة كما تقدم، وعمهت عيون أكثر الشعراء عن محاسن الطبيعة وأسرارها في غمار المدينة، حيث تكأكأوا متزاحمين على عطايا الأمراء، وزهدهم في وصف المناظر الطبيعية قلّة ما ورد منها في شعر المتقدمين الذين كانوا يترسمون خطاهم، حتى إذا كان عهد الاضمحلال الأدبي غلب التظرُّف واصطناع الرقة والنكتة اللفظية على الشعر ففقد كل روح وحرارة.