ومن شعراء العربية من يضيق باعهم في وصف الطبيعة قبل أن يقولوا في المنظر المجلو أمامهم أبياتاً، ويدركهم العجز والإحالة فيسبحون بقدرة البارئ ووحدانيته، كما قال النواسي:
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وقول أبي تمام:
صبغُ الذي لولا بدائع لطفه ... ما عاد أخضر بعد إذ هو أصفر
فقدرة الخالق أمر لا شك فيه، والإشارة إليها في هذه المواقف سذاجة في القول والتواء في استرسال الفكر، وهرب من مواصلة التأمل والوصف، والموقف موقف استمتاع بالجمال وتصوير له، لا موقف وعظ وخشوع. وأزن هذين البيتين بقول تنيسون في زهرة ضئيلة:(أيتها الزهرة النامية بين شقوق الجدار، ها قد انتزعتْك أناملي، وهاأنت كلك محمولة في كفي، بيد أني لو استطعت استكناه سرك لعرفتُ سر الله والإنسان جميعاً) فهذا شاعر يفكر ويتأمل ويتوق إلى المعرفة، وذانك شاعران يسلمان تسليم العجز، فلا أجادا التصوير ولا استرسلا في التفكير.
فأغلب شعر الطبيعة في العربية - على قلته - تنقصه حرارة الشغف بها وطول مصاحبتها وممازجتها روحاً بروح، وإدمان التأمل في محاسنها ومحاولة النفاذ إلى معانيها، وصدق التعبير عن وحيها ودقة الوصف لمجاليها المتعددة، وظلَّ الالتفاتُ إليها دائماً ثانويا، والانتباه إليها عرضياً، والأُنس بها وقتيا وشيك الزوال.
بل كان من فحول العربية من كأن بينهم وبين الطبيعة حجاباً كثيفاً، فندر أن أعاروها بالاً، ولم يقع ذكرها في شعرهم ونثرهم، إلا وقوع الغلط، كالمتنبي والشريف الرضي، برغم كثرة أسفار الأول بين العواصم والفلوات، وقد صرف الكُتَّاب صناعتهم إلى كثير من وجوه البيان، فلم يختصوا الطبيعة بكبير عناية، وتوخى بديع الزمان في مقاماته أن يضرب في كل ناحية من نواحي القول بسهم، ليبدي براعته للقارئين، إلا الطبيعة فأنها لم تفز منه بالتفات.
فالعربية تكاد تقفز من الوصف الطبيعي السامي لذاته، لولا شاعر فرد هو ابن الرومي الذي تنطق أشعاره بحبٍّ للطبيعة عميق، وانجذاب لسحرها لا يدافع، ونظر في محاسنها وأغوارها نافذ، وقد أنشأ لوصف مختلف مظاهرها قصائد كثيرة، أودعها خير ما في