أمامك الثراء والمجد). نقول إن روح نابليون وموقف الجند هما اللذان أضرما في نفوسهم جذوة الحماسة أكثر مما أججتها كلمات نابليون. والزعيم الشاب مصطفى كامل حين أرسل الصيحة الخالدة:(بلادي! بلادي! لك حبي وفؤادي) تغلغلت في نفوس المصريين، لأنها خرجت من أعماق نفس وطنية مخلصة، ونفذت إلى أعماق قلوب تؤمن بالحرية وتدين بالاستقلال. وإن نظريتنا لتصبح بمأمن من كل معارضة، وبنجوة من أي نقد، إذا ذكرت أن الخطيب العظيم يُسمع ولا يقرأ، وأن الخطب الخالدة في التاريخ لا تكاد ترتفع فوق المستوى العادي.
كان للخطابة في الماضي شأن أي شأن، فقد ثلت عروشاً ودكت دعائم ممالك، وأقامت عروشاً وممالك مكانها، ونصرت أقواماً وخذلت آخرين، وقبرت دعوات وبعثت أخرى، ودفنت مبادئ وأحيت غيرها. وإنما تبلغ الخطابة شأوها وتصل إلى أوج مجدها إبان الثورات والفورات والهبات والانقلابات والفتن السياسية والاجتماعية وأطوار التحول والانتقال. ذلك بأن غليان النفوس وثورة الأفكار يجعل الناس كالهشيم اليابس الذي تكفي شرارة واحدة لإضرام النار فيه، وإذا كان هذا هو شأن الخطابة في الماضي فلا شك أن شأنها قد ارتفع، وأثرها قد تضاعف في عصر الديمقراطية الحديث.
وفي الواقع أن الخطابة أقوى أداة من أدوات النضال السياسي والتطاحن الحزبي، وكل حزب بحاجة إلى بث دعوته وترويج سياسته، والهتاف بمبادئه، وكسب الأنصال واجتذاب الأشياع. وهو يتوجه إلى جمهور متباين العقليات مختلف المشارب والمشاعر، جم المنازع والأهواء، فلا مندوحة للخطيب عن قوة الشخصية وسحر البلاغة، والإلمام بنفسية الجماعات لبلوغ مكان الإقناع من نفوسهم. ولابد للدعوة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أن تبلغ الكوخ والقصر، وتصل إلى أدنى الطبقات وأسماها. والديمقراطية الحديثة أتاحت لكل رجل مهما كانت الطبقة التي نبت فيها، والبيئة التي نشأ بين أحضانها أن يصل بمواهبه وكفايته وملكاته وجهوده إلى أسمى مناصب الدولة، وهو إنما يتخذ من أكتاف الجماهير سلماً يصعد عليه إلى قمة السلطة وذروة المجد. أرأيت إلى لويد جورج وهتلر ومصطفى كمال وموسوليني كيف بلغوا مكان الزعامة من أقوامهم، ومركز السلطان من شعوبهم؟ ليس من ينكر أن الخطابة كانت أحد العناصر البارزة في تكوين نجاحهم. ولقد