للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بات الكلام في الجماهير فناً يحرص الزعماء والقادة على إتقانه وتجويده، وأضحى التعبير عن إجادة الكلام يدل دلالة صريحة على مبلغ القوة والسحر الكامنة في ثنايا الكلام الخلاب، أولا تذكر قول الرسول عليه صلوات لله وسلامه: (إن من البيان لسحراً)؟ ثم ألا يسترعي نظرك تحولهم هذا من ملوك الكلام وذاك من أمراء البيان؟ ولو أنك رحت تفتش في تاريخ معظم القابضين على زمام الشعوب والآخذين بأعنة السلطة القائمين على مصاير الأمم لوجدتهم من الخطباء المصاقع والمداره المقاويل. فالوزراء في إنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من دول الغرب جلهم إن لم يكن كلهم من الخطباء المفوهين.

بل لقد أصبحت الخطابة هي الوسيلة لتي تسمو بصاحبها إلى أسمى مناصب الدولة، وتبوئه مكان الزعامة من أمته، حتى ضاق خصوم الخطباء بنفوذهم صدراً وتبرموا بتضخم سلطانهم، فتراهم ينعون على الديمقراطية الحديثة طغيان حكومات المحامين عليهم.

طغت موجة الخطابة على الأمم في العصر الحاضر حتى لترى بعضهم بنسب مصدر المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاضرة إلى نقص في كفاية المتولين لزعامة الأمم الذين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بتزويق الكلام، وتنميق العبارات. ولا يرى هذا البعض دواء لداء المدنية الغربية إلا بالعدول عن الاسترسال بالثقة إلى تجار الكلام، وتفويض الأمور العامة إلى الفنيين من ذوي الكفايات.

والمعارك الانتخابية هي الميدان الفسيح لتجلي المواهب الكلامية، والملكات الخطابية. ولا بد من تعمق في درس نفسية الجماعات وتفهم ميول الجماهير لكفالة النجاح في ميدان النضال الانتخابي. ولذلك ترى بعض الخطباء لا يتورعون عن بذل الوعود والإسراف في العهود. بل إنك لترى بعض زعماء الأحزاب وقادة الهيئات لا تتراجع ضمائهم أمام تصوير الخيالات حقائق والمستحيل ممكناً مستطاعاً. والنظام البرلماني الحديث يتطلب نجاح أكبر عدد ممكن من مرشحي الحزب الذي يخوض غمار المعركة الانتخابية لإنجاح فرد أو أفراد. فقد تعددت الأحزاب والهيئات في أمم الأرض جميعاً. وإذا كانت تختلف في البرامج والميول الشخصية، فنجاح حزب من الأحزاب بالأغلبية في الانتخابات له أهميته وخطره. فإذا كانت التقاليد البرلمانية تقضي بأن الأغلبية هي التي تتسلم مقاليد السلطة، وتتولى زمام الحكم، وتوجه السياسة العامة، فنجاح هذا الحزب أو ذاك في الانتخابات له أهميته لأنه يدل

<<  <  ج:
ص:  >  >>