على طريقة الحكم، وأسلوب دارة شؤون الأمة، والطابع الذي تطبع به سياسة الدولة. وليس يستوي أن يكون على رأس الأحكام في إنجلترا حزب المحافظين، أو حزب الأحرار، أو حزب العمال، فلكل حزب أسلوبه في الحكم ومبدؤه في السياسة العامة. كذلك ليس من الظواهر التي لا تسترعي النظر أن يكون على رأس الحكومة الفرنسية المسيو ليون بلوم أو المسيو بيير لافال.
ودور النيابة هي ميدان يتبارى فيه الخطباء السياسيون كل يحاول كسب الأصوات وجذب الأنصار إلى جانبه، وإذ كان أحد البارزين في مجلس العموم البريطاني قد قال:(إن الخطب البرلمانية تغير رأيي ولكنها لا تغير صوتي)، فلا يمنع أن للخطابة شأناً أي شأن في مجلس النواب، أو لم يكن كليمنصو يسقط وزارة بخطبة حتى لقبه مواطنوه الفرنسيون بالنمر وأسموه (هدام الوزارات)؟ أوليس ينقذ سفينة الوزارة من الغرق خطبة من تلكم الخطب الخالدة الموفقة؟ أرأيت كيف أن بريان يوم ضيق عليه خصومه الخناق واستجوبوه في مجلس النواب عن تصرفه إزاء العمال المضربين حين أنذرهم بالتجنيد إن لم يكفوا عن الإضراب، نقول أرأيت كيف أن بريان انتزع تصفيق المجلس وحصل على قرار الثقة بوزارته حين لوح بيده صائحاً من أعماق نفسه:(هذه يدي فانظروا إن كانت تلطخها قطرة من الدماء!) وهل من يجادل في أن القادة في المجالس النيابية يتجاذبون الأغلبية، ويبذلون الجهود الجبارة لانحياز الأنصار إلى صفوفهم؟ بل إن غزو السلطة والتنازع على الحكم وشهوة السلطان، لتهدد في بعض الأمم بالتقلقل الوزاري، والخطابة بلا ريب، سلاح من أسلحة النضال.
ولا تستطيع المعارضة أن تؤدي واجبها في النقد البريء النزيه حيال الأغلبية القابضة على زمام السلطة إلا بالكلام. بل لا يستطيع أي مجلس نيابي أن يقوم بواجبه المقدس في الإشراف والهيمنة على السلطة التنفيذية بغير الخطب الداوية. صحيح أن خطباء المجالس لا ينبغي لهم أن يحرصوا في خطبهم البرلمانية على إرضاء الجماهير وتملق شعور الجماعات، وإنما لابد لهم من الكلام المستمد من الشعور ومن الدرس العميق ومن مصلحة البلد ليؤدوا أمانة النيابة عن الأمة. لقد كان خصوم لامرتين يتهمونه ظلماً بأنه (يتكلم من النافذة): أي يرمي بخطبه البرلمانية إلى إسماع صوته للجماهير خارج المجلس. ولكن