للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المواهب والملكات. وشتان بين موقف محام درس ملف قضيته وتأهب للرد على كافة حجج الخصوم، واستعد تمام الاستعداد لدفع اعتراضاتهم، وبين خطيب برلماني أمامه خصوم ومنافسون، وتنهال عليه الاعتراضات والمقاطعات من كل جانب. ومهما يكن من شيء فالبلاغة هي البلاغة، وسحر البيان هو سحر البيان، ولابد من التدرع بالبديهة الحاضرة والتذرع بالدرس العميق وعدم الاعتماد على شقشقة الكلام.

ولا نرى مندوحة عن أن ندرج المحاضرات العامة تحت كلمة الخطابة فالمراد هو الكلام في الجماهير.

ولم يخل عصر من العصور من الخطباء المصاقع الذين يملكون أعنة البلاغة. فلقد عرفت جزيرة العرب خطباء مفوهين من أمثال قس بن ساعدة الأيادي، وعلي بن أبي طالب، وزياد بن أبيه، والحجاج الثقفي، وسحبان وائل، وغيرهم وغيرهم. وديموستين اليوناني أبقى على الأيام من الأيام، وشيشرون الروماني أبقى على الزمن الباقي من الزمن. ثم ألا تزال صيحة ميرابو داوية يوم صاح في وجه رسول الملك: (اذهب وقل لمولاك: إننا مجتمعون هنا بإرادة الشعب ولا نخرج إلا بقوة السيوف!). ثم ألا يزال التاريخ يذكر صيحة نابليون وجنوده: (إن أربعين قرناً تشرف عليكم من سماء هذه الأهرام). وأخيراً أو ليست خطبة طارق بن زياد خالدة على وجه الزمان حين جلجل بكلمة الحق وأهاب بجنوده: (العدو أمامكم والبحر وراءكم. . .) فأقسموا أن يقاتلوا حتى تدين لهم بلاد الأندلس أو يموتوا دون الغاية.

والآن نسأل: هل الخطابة ملكة أم اكتساب، وموهبة أم مران؟

ولكنا نرى أن قد امتد بنا نفس الكلام إلى حد نخشى معه الملل فموعدنا معك الأسبوع القادم إن شاء الله.

عبد المجيد نافع المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>