بها، وهم لا رحمة فيهم، بل إشفاقاً على أنفسهم التي اتخذوها من دون الحق معبوداً.
لابدّ لنا ونحن في موقف الباحث يشفق على المعتدي في جهله كإشفاقه على الضحية في ضعفها، من أن نشير ولو تلميحاً إلى حقيقة أدى الجهل بها إلى معظم هذه المصائب التي تقضي على الأسر وتهدّ من بنيان المجتمع.
إن المرأة المُكرَهة في زواجها لا تُضار في جسمها ونفسها بقدر ما يُضار زوجها الباغي عليها، لأن في تكوين المرأة ما يساعدها على عزل قسطها من الإيجاب في وضعها السلبي، فتقي خلاياها من أن ينفذ إليها ما هو ترياق لها في حالة شوقها وما يصبح سماً زعافاً في حالة نفورها كما لها أن تقي أعصابها أيضاً من الهزّة الشاذّة عن طبقتها فينزلق الإكراه عليها انزلاقاً، وعندئذ تعمل الطبيعة عملها بردّ الفعل في جسم الرجل ونفسه وهو لا يدري، فكأنه لا حس المبرد يحس بالارتواء الكاذب وهو يشرب من دمه.
ما أكثر من عرفت من هؤلاء الرجال الذين تزوجوا بالإغراء، فقامت شهوتهم وأطماع الفتاة نفسها أو أطماع أهلها مقام الحب المتبادل، فرأيتهم يباهون بزوجاتهم كأنهن تكملة للرياش الفاخر في مساكنهم، ثم تمرّ الشهور فإذا هم يجرّون أرجلهم جراً بعد أن كانوا يسيرون في الأرض مرحاً، وإذا النور ينطفئ في أحداقهم وحق الطبيعة يكتب على جباههم آية الفاشلين.
ويلٌ لمن يخدع نفسه بمظاهر القبول ولا يبالي بإيجاب ما يشعر به كاملاً في سريرة من يريدها شريكة لحياته وأماً لأطفاله، إن هذا الرجل لأشبهُ بالتائه في الصحراء يتوقّع في كل مرحلة إرواء غليله من السراب يتوهج ماؤه، يتباعد إلى الآفاق كلما توهّم الوصول إليه.
هذا ما نراه في معضلة الإكراه الذي تشكو منه بعض فتيات البلاد، وما نشأت هذه المعضلة إلا من أطماع المزوّجين وضعف المروءات في المتزوجين.
أما علاج هذا الداء فميسور بعد بيان ما تقدم بيانه إذا نفذت أشعة الحقيقة إلى قلوب الغواة والطامعين، إذ لا يمكن أن يبصر عبيدُ الشهوات ما تفتح ضلالاتُهم من مهاوٍ تحت أرجلهم دون أن يرتدعوا عن الانتحار والقضاء على أنسالهم، ولكنَّ في الحياة كثيرين ممن اتسعت أحداقهم ولكنهم عميٌ لا يبصرون.