لو يعلم القيمون المُكرهون أية جناية يأتون بتحكّمهم في الفطرة التي لا يسع الفتاة نفسها أن تتحكم فيها لكانوا يرعوون عن غيهم، إذ يتضح لهم أن وأْد البنت في الجاهلية كان أقل فظاعةً من وأدها في زواج تموت فيه حيةً لتقذف إلى الدنيا بأطفالٍ تتعثر الإنسانية بهم في سيرها نحو الرقي.
غير أنني لا أعتقد أن في هذه الأيام من هؤلاء القيمين الأغرار عدداً كبيراً؛ وإذا كان هنالك بقية منهم، فأنني لا أعتقد أن من فتيات اليوم من تستنيم لهذا الضيم، فأن الفتاة المهذبة التي تشعر بشخصيتها لا يسهل على وليها أن يرغمها على الزواج بمن تكره، وهي تعلم أن الشرع السامي لا يأخذ بالإيجاب دون قبولها الصريح، ولكن إذا كان الإكراه غير مباشر وكانت الفتاة تلجأ إلى القبول بأي زوج للتخلّص من أهلها، فإنها في هذا الموقف مشاركة لهم في جرمهم إذا هي تصنّعت الحب، وتكفلت الإغواء تكلفاً لرجل يريد إدخال الحياة إلى مسكنه فلا تدخل إليه إلا مبدأ الشقاء والموت.
على الفتاة المثقفة في مثل هذه الحال أن تجاري فطرتها وتتحصن بحوافزها فلا تستسلم للتمثيل الدنيء، لأنها إذا كانت مُرغَمة على عدم النفور فلا شيء يرغمها على التظاهر بالحب والقبول لتسقط أبرياء في شركٍ تكون هي الضحية الأولى فيه.
ولكن هنالك من الرجال من غلظت رقابهم، وانطمس شعورهم إلى درجة لا يميزون فيها بين فتاة تميل إليهم وفتاة تنفر وتشمئز منهم. فويلٌ للمجتمع من مثل هؤلاء الرجال الذين تطفح فطرتهم بالشهوة وليس في قلبهم من الحب إلا خياله الأسود. أولئك الذين طغت عليهم الأنانية حتى خيّل لهم أن كل فتاة يطلعون عليها بمناكبهم العريضة وفي يدهم بعض المال وبعض الحليّ تخر ساجدة أمام بهائهم وعظمة أقدارهم، ويلٌ لبنات الأولياء المتغطرسين من رجل يحسب نفور الضحية حياء وازورارها دلالاً.
إن مثل هذا المخلوق لأشبه بالقابل الكهربائي لا بطّارية فيه ليحس باتصال الجهاز المقابل به أو انصرافه عنه. وكم من رجلٍ في القرن العشرين يذكّرنا برجل الكهف يترصد الأنثى على الطريق فيبدأ بقرع رأسها بحجر ليفقدها رشدها أولاً. . .
ولو عرف هؤلاء المغرورون عواقب اعتدائهم لابتعدوا عمن تجول شهوتهم حولها لا رحمة