إن الفتاة التي لا يوصلها علمها وثقافتها إلى إقصاء الأوهام عن كل قديم وعن كل جديد، وإلى الوقوف تجاه أهلها موقف من يحمل نوراً لا من يحمل ناراً، لا تكون قد قطعت شوطاً بعيداً في مجال الثقافة الحق.
إن في العالم اتجاهاً إلى التكامل بارتقاء الأنسال المتتالية، وفي طبيعة الأبوين ما يجاري هذا الاتجاه بشعورهم الخفي بتفوّق أبنائهما، وليس من كائن في الأرض لا يقف في نصف طريق حياته مدركاً أنه ضيَّع الكثير من عمره، فهو يؤمل أن يفوز أبناؤه بما فاته من الحياة. فإذا ما عرفت الفتاة هذا واستعانت على أبويها بحبهما لها، فلا بد لها من استجلابهما إلى ما ترى إذا هي اتجهت إلى الصواب ولم تؤخذ من بهارج التجديد بما يقودها ويقود أهلها معها إلى الدمار.
أما إذا كان الخلاف واقعاً من طموح الأهل إلى إرغام الفتاة في اختيار الزوج، فما أراه، هو أن الآباء في كل زمان يغالون في حرصهم على مستقبل بناتهن فيتجاوزن بحق الاختيار الحدَّ الذي يتحصّن وراءه الاختيار الطبيعي الكامن في فطرة الفتاة، وعلى حرية هذا الاختيار تُبنى السعادة في الزواج ويضمن إيجاد النسل الصحيح.
وظاهرة هذا التحكم تصطدم اليوم بما تنبّه في الفتاة من شعور وقد أصبحت تدرك مميزاتها الشخصية وتستجلي سريرتها. وما أخالني قصّرت في مقالي عن نهضة المرأة عندما حملتُ فيه على هذا التحكم الذي وصفتُه تحكماً في قضاء الله وقدره.
إنني وأنا أدرك الأسباب التي تحدو بالآباء إلى الاهتمام بمستقبل بناتهنّ، مقدراً هذا العطف وهذا الحنان قدرهما، لا يسعني إلا لفت هؤلاء الآباء إلى خطورة موقفهم في هذا الأمر فأدعوهم إلى احترام الأمانة الضعيفة ولها رجاحتها في الذمم، كما أدعوهم أيضاً إلى التبصر في عاقبة الزواج المبني على الإكراه.
أي أب يقدم على إكراه ابنته على الزواج بمن تنفر فطرتها منه، إذا هو عرف أن حفيده من هذا الزواج سيجيء الحياة معتّلاً بجسمه أو مختلاً بعقله. . .
وهل في الشرق العربي اليوم من لا يزال يقول:
بنونا بنو أبنائِنا وبناتُنا ... بنوهنَّ أبناءُ الرجالِ الأباعد؟
أبيننا من لا يزال يعتقد وهو في القرن العشرين أن الرجل هو مصدر الحياة وأن المرأة