قضية اجتماعية أن تشمل جميع دقائقها وأنواعها، لذلك رأيت من واجبي الوقوف معك أمام ما تبين لك من أعراض الداء لأحاول معالجته جهدي.
إنك ترين أولاً أن الفتاة المصرية ضحيةُ استبداد أهلها.
فعلاَمَ يمكن أن يقع الخلافُ بين فتاةٍ وأهلها؟
إنه إن وقع على طُرق المعيشة في البيت، من حيث المأكل والملبس والرياش، فلا أحسب الأهل معارضين ابنتهم في كل تحسين تريد إدخاله، إذا هي لم تتجاوز حدود طاقة العائل، وليست المسألة في هذا الأمر من قبيل اصطدام الجديد بالقديم، بل هي مسألة تقدير بين ما يمكن الحصول عليه والطاقة المتوفرة. وللفتاة الرأي وليس لها الحكم في هذا، ولا أعتقد أن في العالم آباء وأُمهات يضنون على فلذة أكبادهم بما يرونه ضرورياً. فإذا كان هنالك أبٌ يجود على نفسه ويحرم رعيته، وهي وديعة الله بين يديه، فمثل هذا الأب مسخٌ لا يصح أن يتُخذ أساساً لبحثٍ اجتماعي.
لقد لاح لك، يا سيدتي، أن سوء التفاهم ناشئ من التطور، وأن الفتاة هي الضحية بين رقيها وجمود أهلها، أما أنا فيلوح لي أن في وصف كل قديم بالجمود، ووصف كل جديد بالرقي على الإطلاق خطأ قد يكون هو السبب في ازورار الأبناء عن الآباء في هذا العصر وفي كل عصر، فالحقيقة التي بقع الخلاف عليها إنما هي حقيقة لا دخل للقديم والجديد فيها، لأن الحقيقة قد تكون في أحدهما دون الآخر أو في كليهما، ولا يمكن للباحث أن يقف في جنب الأبناء على كل حال آخذاً برقيهم كبرهان على جمود آبائهم. وكثيراً ما تغتر الشبيبة بتطورها، فإذا ما تحسبه رقياً نوعٌ من الهوس وضربٌ من الغرور. ويقيني أن ليس للفتاة من يعطف عليها عطف أمها وأبيها مهما بعدت بينها وبينهما شقة الثقافة والعلم. ومهما بلغ حب الفتاة لأبويها فأنه يبقى دون حبهما لها، ولكن قد يتلبس حب الأبوين بعقيدة لهما في الحياة تختلف وعقيدة الفتاة فيبدو لها هذا الحب بغضاً وتحكماً واستبداداً. فإذا كان العلم والتهذيب لم يرفعا بروح هذه الفتاة إلى مرتبة الرقي الحقيقي ولم ينيلاها من النور ما تكشف به الظلام عن بصيرتها وبصائر من حولها أخذت بالظواهر فانقلبت ثائرة تطمح إلى إقناع أهلها بالعنف معتقدة أن من حقها وقد تعلّمت وجهلوا أن تصبح أماً لأبويها فلها الأمر وعليهم الطاعةُ العمياء.