فالعبرة إذن دائماً بالمسائل وأحكامها. ومما يؤيد وجهة النظر هذه أن في عقد البيع قد وردت أحاديث متعددة في صيغة النهي، وقد فرع الفقهاء عليها البطلان في بعض الأحوال، ومجرد الكراهية في البعض الآخر بالرغم من اتحاد الصيغة في جميع الأحوال.
يتضح من ذلك أن التشريع الإسلامي في موضوع الالتزامات يفقد صبغته الدينية.
ونذكر هنا أن هذا التشريع لا يمنع مصدره الديني من اعتباره تشريعاً بالمعنى الصحيح، ذلك أنا إذا نظرنا إلى ماهية القاعدة القانونية في هذا التشريع ألفيناها تتضمن جميع العناصر التي تلاحظ في القواعد القانونية.
من ذلك ابتناؤها على المظّان، وابتعادها عن التوغل في الدوافع النفسية؛ ومن ذلك أيضاً الجزاء المترتب على مخالفتها، فقد فرق الفقهاء بجلاء بين ما هو واجب قضاء، وما هو واجب ديانة.
أما (القياس) وقد اعتبروه مصدراً من مصادر التشريع، فهو، في الواقع، عملية من عمليات الاستدلال يقوم بها العقل، إذا أراد الوصول إلى حكم عن طريق الاستنتاج.
وهذه العمليات العقلية تؤدي إلى وضع حدود وتقسيمات، وشأن علم الفقه منها شأن سائر العلوم الأخرى.
وإذا استعمل العقل في مهمة استنباط الأحكام، فقد يؤدي به منطقه الجامد إلى حلول قد تتعارض مع فكرة العدالة المطلقة أو مع بعض الأحاديث الصريحة فيلجأ الفقهاء عندئذ إلى ما يسمونه (الاستحسان).
فالحكم الذي يقضي به الاستحسان ليس في الواقع إلا استثناء اقتضته قواعد العدل والإنصاف أو أسباب أخرى.
وقد يستعمل الاستحسان لإدخال ما استقر عليه (الإجماع) في التشريع.
وقد يتعين اعتباره كالعادة والعرف، عاملاً من عوامل التطور، إذا تبين أن التشريع الإسلامي قد تأثر بالفعل بواسطته. وهذا هو موضوع الطريقة التاريخية.