ولا يخشى من هذا التحرر على صحة تفهم روح التشريع، فقد قلنا إن التشريع الإسلامي قائم على هذه الحلول، وروحه فيها وحدها.
على أن هناك محظوراً آخر. فأنا إذا نحن فرضنا على التشريع الإسلامي أفكاراً غريبة، اقتضتها أساليب التشريعات التي نشأت فيها نكون قد مسخنا هذا التشريع بالفعل.
فيلزمنا إذن التجرد من أساليب هذه التشريعات، وإذا نحن حاولنا الوصول إلى المبادئ الأولية، فلن تكون إلا تلك التي يتطلبها كل تشريع لمجرد كونه وليد العقل البشري، وهو واحد مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة.
وذلك كله لا يحول دون الاستعانة في عرض المسائل بما جربنا عليه في بحث قوانيننا الحديثة على أن يكون هذا إطاراً خارجياً، وعرضة للتحوير وفقاً لمقتضيات التشريع الإسلامي.
لذلك لن نعير كثيراً من الاهتمام ما حوته الكتب الفقهية من الأمثال والأصول، فهي في الغالب عبارة عن مبادئ يقضي بها المنطق أو العدل، لا نفس النصوص التي وردت بمناسبتها. ونذكر هنا أن مما استنفد نصيباً من نشاط الفقهاء مقارنة الحلول بعضها ببعض لإظهار الفروق والأشباه، على أنهم في هذا كله قلما يرتقون إلى المبادئ الأولية العامة.
أما علم أصول الفقه فهو شديد الاتصال بعلم الكلام، ولا يفيد في دراسة موضوعية للنصوص، فهو أشبه بفلسفة القانون منه بالقانون.
وقد قرب فقهاء الحنفية بينه وبين الفروع، ومع ذلك يقول (الحموي)(أنظر (الغمز) ج١، ص٢٤٥) إنه:(لا عبرة بما في كتب الأصول إذا خالف ما ذكر في كتب الفروع كما صرحوا به).
وكذلك لا يلتفت في دراستنا الموضوعية إلى مصادر التشريع، ذلك أن (القرآن الكريم)، لم يأت إلا بقليل من الآيات في موضوع الالتزامات، وهي في الغالب من قبيل القواعد الأخلاقية.
أما (الأحاديث النبوية)، فهي أيضاً قليلة العدد، وسيؤخذ بها على أنها نصوص إذا جاءت بحلول معينة لبعض المسائل. ولن نتعرض لما وجه من الطعون إلى بعض هذه الأحاديث، فهي لمجرد ورودها تنم عن اتجاه خاص في التفكير.