مرحلتين متحيزتين من مراحل تاريخ الفلسفة؛ ويقف الباب الثاني على أفلاطون، والثالث على أرسطو. أما الباب الرابع والأخير فيتكلم فيه عن صغار السقراطيين والأبيقوريين وأصحاب الرواق والشكاك ورجال مدرسة الإسكندرية. وإنا لنلحظ في هذا التقسيم أنه عني عناية خاصة وجديرة بالتقدير بالشخصيتين العظيمتين في تاريخ الفلسفة اليونانية وهما أفلاطون وأرسطو؛ فقد درس كل واحد منهم في باب مستقل، وليس هذان البابان من الأبواب الصغيرة، فحديثه عن أفلاطون يقع في ست وستين صفحة، وترجمته لأرسطو تشغل ما يزيد على ثلث الكتاب جميعه (١٣٤ص).
وفي الواقع لقد وزن المؤلف المدارس الفلسفية الإغريقية بميزان صحيح وقسم بحثه بينها قسمة عادلة ومتناسبة دون أن يفوته منها شيء هام، اللهم إلا أصحاب مذهب الاختبار الذين أهملهم رأساً وبعض شراح أرسطو في الدور الأخير وفي مدرسة الإسكندرية بوجه خاص مثال الإسكندر الأفروديسي، وسميلسيوس، وثامسبتوس، الذين لم يشر إليهم إشارة كافية. وبالرغم من تشعب هذه المدارس وتعددها فقد عرضها في صورة مرتبة مهذبة، وقسم أبحاثه إلى أبواب وفصول وفقرات هي غاية في الدقة والوضوح. وليس بغريب أن يعنى مدرس بوسائل العرض والإيضاح! فهذه سنته كل يوم في دروسه ومحاضراته. وهي سنة صالحة من غير شك ومعينة على تذليل بعض الصعاب التي يلاقيها القارئ في أبحاث دقيقة كهذه. وقد ضم المؤلف إلى هذا حسنة أخرى، فختم كثيراً من مباحثه بنظرة عامة وربط تاريخي شائق.
ليس صعباً على من يدرس الفلسفة اليونانية أن يجد المصادر التي يستقي منها، فهي كثيرة ومتنوعة؛ إنما الصعب أن يختار من بين هذه المصادر أصلحها. وقد وفق المؤلف في هذه كما وفق في غيرها؛ فقد اعتمد فيما وراء أفلاطون وأرسطو على أوثق مصادر الفلسفة اليونانية. وكنا نفضل أن يحيل على هذه المصادر في صلب الموضوع بدل أن يكتفي بسردها في الفهرست. وفيما يتعلق بأفلاطون وأرسطو سلك سبيلاً يحمد عليها؛ فقد درسهما دراسة مباشرة وقدم لنا صورة ناصعة عن مؤلفاتهما وحكم عليهما بناء على ما قالا لا اعتماداً على ما قال الناس عنهما. وهذه الطريقة علمية قطعاً ومعينة على تفهم الفيلسوفين على ضوء ما كتبنا. غير أنها مدعاة التكرار والاستطراد أحياناً، كما قد تسوق إلى سرد