هذه الغانية قد حبست أفكاري كلها في فكرة واحدة منها هي؛ وأغلقت أبواب نفسي ومنافذها إلى الدنيا، وألهبت في دمي جمرة من جهنم فيها عذاب الإحراق وليس فيها الإحراق نفسه كيلا ينتهي منها العذاب.
وبيننا حبُّ بغير طريقة الحب، فإن طبيعتي الروحانية الكاملة تهوى فيها طبيعتها البشرية الناقصة، فأنا أمازجها بروحي فأتألم لها، وأتجنبها بجسمي فأتألم بها
حبٌّ عقيم مهما يكن من شيء فيه لا يكن فيه شيء من الواقع
حب عجيب لا تنتفي منه آلامه ولا تكون فيه لذاته
حبٌّ معقد لا يزال يلقى المسألة بعد المسألة، ثم يرفض الحل الذي لا تحل المسألة إلا به
حب أحمق يعشق المرأة المبذولة للناس، ولا يراها لنفسه ألا قديسة لا مطمع فيها
حب ابله لا يزال في حقائق الدنيا كالمنتظر أن تقع على شفتيه قبلة من الفم الذي في الصورة
حب مجنون كالذي يرى الحسناء أمام مرآتها فيقول لها: اذهبي أنت وستبقى لي هذه التي في المرآة. . .
قلت: اللهم رحمة؛ ثم ماذا يا صاحبي المسكين؟
قال: ثم هذه التي أحبها هي التي لا أريد الاستمتاع بها، ولا أطيقه ولا أجد في طبيعتي جرأة عليه، فكأنها الذهب وكأنني الفقير الذي لا يريد أن يكون لصاً. يقول له شيطان المال: تستطيع أن تطمع؛ ويقول له شيطان الحاجة: وتستطيع أن تفعل؛ ويقول هو لنفسه: لا أستطيع إلا الفضيلة
إن عذاب هذا بشيطانين لا بشيطان واحد، غير أن لذته في انتصاره كلذة من يقهر بطلين كلاهما أقوى منه وأشد.
قلت: اللهم عفواً؛ ثم ماذا يا قاهر الشيطانين؟
فأطرق ملياً كالذي ينظر في أمر قد حيره لا يتوجه له في أمره وجه، ثم تنهد وقال: يا طول علة قلبي. من أين أجيء لأحلامي بغير ما تجيء الأحلام به، وإنما هي تحت النوم ووراء وإنما هي تحت النوم ووراء العقل وفوق الإرادة؟ لقد بلغ بي هواها أن كل كلمة من كلام الحب في كتاب أو رواية أو شعر أو حديث - أراها موجهة إلي أنا.