للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (لا بأس. إسمع. إنك رجل كاد ينسى الابتسام وهذا هو مرضك لا ما تتوهم أن معدتك وأمعاءك مصابة به. ليس بك شيء. كن من هذا على يقين جازم. وإنما الذي بك أنك لم تعد تعرف سرور الحياة. والذنب في هذا لك لا للحياة. لا تقل لي إن الحياة لم تعرض عليك إلا صفحاتها الدميمة التي تثير الاشمئزاز والتقزز وتغري النفس بالكآبة والجهامة فإن هذا الكلام فارغ. وأنت الذي أغريت عينك بهذه الصور القبيحة ولولا ذلك لاستطعت أن ترى الصفحات الأخرى المشرقة الوضيئة التي تنعش النفس وتحييها وتجددها. بل إن الذي تتعلق به عينك من صور القبح والدمامة لا يخلو من جمال يشرح الصدر ويفرح القلب. وليست هذه فلسفة ولكنما هي وصف للواقع من أمرك وأمر المتفلسفين الذين يقرءون ولا يفهمون. نعم لا يفهمون. . تقول إنك قرأت الأدب الإنجليزي وتوفرت عليه وأنا أعرف ذلك ولا أجهله، وأعرف أنك قرأت أديسون فلماذا لم تفهم صورته الوصفية لجبل الهموم أو تله أو ما شئت فسمه. الواقع أنك قرأت ولم تعن إلا بالجانب الذي يوافق مزاجك النفسي الذي أسمح لنفسي أن أسميه الأعور - أي الذي لا يرى إلا بعين واحدة ولا يتأثر إلا من جانب واحد. أتقول إن الأمر أمر خلقة وطباع. . لا يا سيدي. . . إننا نتعلم كيف نضبط غرائزنا وطباعنا الحيوانية، وكذلك نستطيع أن نهذب ما نظنه طباعا فطرية في نفوسنا لا تقبل التهذيب والتنقيح والصقل. على أن المسألة ليست مسألة طباع وإنما هي مسألة نظر، فلماذا تنظر إلى جانب السوء وحده ولا تنظر أيضاً إلى جانب الخير والحسن والجمال والفكاهة. . . باختصار - أنظر واضحك يا سيدي. . . ولن تعدم ما يضحك في أي أمر وأي حال، واعلم أنك حين تضحك يتأثر جسمك كله وأعصابك أيضاً. وثق أن ضحكة واحدة تطلقها كافية لتغيير حالتك النفسية. . . هذا علاجك. . فاذهب عني ولا تعد إلي فأن شفاءك في يديك).

وخرجت أقول إن هذه فلسفة جديدة لا تستحق ما غرمت في سبيلها، ومشيت أفكر في هذا ومضيت أبدي وأعيد فيه بيني وبين نفسي فاصطدمت برجل كان مقبلاً علي فصاح بي بعد أن حك أنفه كما حككت أنا أنفي (اللي واخد عقلك يتهنا به. . . مالك كده زي المسطول) فغلا دمي حين سمعت ذلك ثم ذكرت نصيحة الطبيب فضحكت فقال الرجل (وبتضحك كمان) فقلت له (يا أخي إذا كنت أنا مسطولاً فأنت مثلي، وإذا كان شيء قد أخذ عقلي فإن

<<  <  ج:
ص:  >  >>