عقلك لم يكن على ما يظهر في مكانه. ثم إن منظرنا حين اصطدمنا لا شك يبعث على الضحك. وقد ضحك الأطفال والرجال والنساء وكادت الحيوانات تضحك حين وقعت المصادمة والتقى الأنف بالأنف فلماذا تضحك الدنيا كلها ولا يعبس فيها ويتشاجر ويتشاتم إلا أنا وأنت (فقال صدقت. . معك الحق) وصافحني ومضى عني راضياً.
ودخلت (قهوة) أو (مقهى) فألفيت إخواناً لي يلعبون (الورق) وهو شيء لا أحسنه ولا استعداد عندي لفهمه. وكان مع أصحابي اثنان لا أعرفهم فقدموني إليهم وسموهم لي بأسمائهم فقعدت على كرسي بعيداً عنهم، ثم ضجرت فوقفت أنظر إلى اللعب وإن كنت لا أفهم شيئاً، ولكني رأيت هذا خيراً من الوحدة. ولم أشأ أن أظهر جهلي فجعلت أتظاهر بالفهم. ولم أكن أقول شيئاً ولكني كنت أبتسم كأني فاهم. واتفق أن أحد الغريبين كان أكثرهم كسباً فنظر إلي فألفاني أتبسم فقلب الورق وأشار إلي وقال:(كلمة من فضلك) وتراجع عن الكرسي فدرت إليه ووقفنا بجانب مرآة كانت خلفه فقال - أو همس على الأصح -: (إنك تعرف بالطبع أن هذا اللعب مزاح لا جد فيه)
قلت: وأنا أستغرب هذا الكلام الذي لا أرى له داعياً (لم أكن أظن هذا) وابتسمت، فقد بدا لي أن من المستغرب بل من المضحك أن يكلف نفسه عناء التأكيد لي أن اللعب لا يراد به أكثر من تزجية الفراغ. ومالي أنا. . ما شأني بهم. . . أتراه توهمني من الشرطة. . أم ترى هذا المحل من المحلات التي لا يباح فيها لعب الورق.
كان هذا يدور في نفسي وهو يقول لي:(بالطبع مزاح. . وسيرد كل منا ما كسبه إلى إخوانه. . وقد أردنا أن يظهر كل منا براعته في. . . في. . . فاهم. . . أليس كذلك. . . . هذا لا يسمى غشاً. . . لا لا. . أستغفر الله. . . لو كنا نلعب جادين لكان غشاً ولا شك، ولكن في المزاح يجوز ما لا يجوز عند ما يجد المرء. . أليس كذلك. . . هه هه. .)
ومضت أيام فلقيت واحداً أعرفه ومعه فتاة في بعض الطريق ولم أنظر إليهما ولكني كنت أنظر إلى الناحية التي أقبلا منها، وكنت أبتسم لخاطر في نفسي فوقعت عيني في عين صاحبي هذا والابتسامة على فمي فأقبل يعدو ورائي حتى أدركني ثم تنحنح وقال: (ممممممم أظنك. . . يظهر. . . أريد أن أقول. . . الحقيقة إنها بنت عرفتها أمس. . ولكن. . أعتقد أنك. . أعني أني. . الواقع أنه لاشيء هناك بيننا. . معرفة جديدة. . . بنت