إن لم يكن هذا هو الشعر فما عسى الشعر أن يكون؟ أترون العذوبة في الهتاف بالروضة التي (طالما أجنت لواحظنا ورداً جلاه الصبا)، تأملوا عبارة (أجنت لواحظنا)، وانظروا كيف تغزونا الروضة فتقهرنا على تذوق جناها المرموق، والشاعر لا ينتظر حتى تهفو نفسه إلى مناعم الروضة، وإنما تهجم الروضة عليه فتعلمه كيف يهصر الأفنان، وكيف يجني القطوف، وعبارة (جلاه الصبا) ما رأيكم فيما تحويه من سحر أخاذ؟ ثم ما هذا التعبير الطريف:
(منىً ضروباً ولذات أفانينا)
أتعرفون كيف يكون للمعنى ألوان وللذات أفانين؟ إن هذا خيال شاعر غرق مرة في كوثر الوصال.
وانظروا هذا البيت:
ويا نعيماً خطرنا من نضارته ... في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
أتحسون قوة هذا المعنى؟ ألا يُريكم الخيال صورة فتىً منعم يسحب ذيل النعيم؟ إن ابن زيدون في هذه الأبيات أقوى من شوقي في التحسر على ما ضاع من دنيا الهوى المفقود