وكيف بك لو علمت أن هناك نوعاً آخر ثمن العلبة منه مائة قرش؟. وكل الذين يتشرفون بزيارة السراي الملكية يقدم لهم من هذا النوع. . وأنا أكاد لا أصدق أن في (السجائر) ما هو رخيص، فكم هو ثمن أرخص (سيجارة) عند الناس؟
قال الحلاق: يا مولاي أن معظم السجائر من هذا النوع الرخيص الدون، وثمن الواحدة منه مليم واحد وهو ثمن نصف رغيف للفقير المسكين. .
قال الزبون: إذن فالمليم له معنى كبير!!؟ ياله بؤساً وشقاء للإنسانية. . أمعك واحدة من هذا النوع الرخيص؟. لا ريب انها ستكون لذة جديدة مشتهاة لغرابتها.
قال الحلاق: أنا يا أفندينا لا أدخن فمليم ومليم ثمن رغيف.
قال: آه. . . أضن أن معي مليماً فريداً حائراً في جيبي. خذه فاشتر لي به واحدة لأرى.
وذهب الحلاق يتكفأ ومعه المليم، وغاب دقائق ثم عاد يتوثب ومعه (السيجارة) الرخيصة. . . ونظر فلم ير أحداً في الدكان؛ ثم نظر فلم يجد آلاته لا في موضعها ولا في غير موضعها، وحينئذ. . . حينئذ فقط أدرك الحلاق أن الزبون العظيم ما هو ألا محتال عظيم، وأن الأحلام التي ألقاها في خياله إنما ألقاها غشاءً على بصيرته؛ فلطم وصرخ واستغاث؛ واجتمع الناس يتناولون الحادث كما حدث ويتبادلون الرأي فيه. . . ومال بعضهم إلى الأرض يقلب شعر اللص الجريء لعله يعثر فيه على سر.
وقال بعضهم: ما أغلى التضحية! لقد طمع الحلاق المسكين في العظيم والعظماء فضيع آلاته وأسباب رزقه ليعلم من كل ذلك أن العظمة قد لا تساوي في بعض أهلها غير مليم.
(طنطا)
السيد محمد زيادة
دون جوان لبنان يفكر. . .
بقلم الآنسة فلك طرزي
جلس (موفق) على حافة البركة التي تتوسط حديقة منزله الصغير وأخذ يداعب المياه الصافية التي تتساقط في الحوض وتتسابق بأصابعه، ويرسم على صفحتها خطوطاً وحلقات سرعان مت كان سير الماء يبددها ويمحوها لتتعود صفحته جلية ملساء تتراكض في