للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسخاء وإسراف ويبدد الأموال هنا وهناك وفي كل مكان دون أن يفطن للآخرة ودون أن يحسب لها حساباً، وكم كلفته شخصية دون جوان، هذه الشخصية التي تقمصته وامتزجت به واختلطت بنفسه فصارتا نفساً واحدة.

أجل! كم كلفته أموالاً وإسرافاً، بل كلفته جهوداً في العدو وراء كل امرأة يستهويه جمالها وتجذبه حمرة شفتيها.

وما لبث موفق أن أخذ يستعرض في ذاكرته أشكال النسوة اللاتي تولى زمامهن في الحياة إلى حين. وأخذ يذكر النعيم والهناء اللذين تذوق حلاوتهما في عشرتهن ومصاحبتهن، ويذكر هذه النشوة التي كانت تعتريه حينما كان يظفر بفريسة يشبع نهمه بلحمها ودمها. . .

فهذه التي تمثل الآن شبحها وتجسم في مخيلته، كانت هيفاء القد نحيلة الخصر، وتلك التي عقبت أختها الآن وتصورها خياله كانت، ويا شد ما كانت! كانت ناعسة الجفون، حالمة العينين، تزيد نظراتهما رقة وعذوبة أهداب كثيفة سوداء كثيراً ما كانت تسدل فوقهما لتخفي بين الجفون معاني تلوح في حدقتيهما. وأما هذه الأخرى فيا لشفتيها! كم كانتا رقيقتين كأنهما وردتان نضرتان متفتحتان في روض وجهها الذي تتلألأ فيه فتنيره عينان وضاءتان كحيلتان تريقان عليه نوراً مشرقاً ساطعاً يزيد في إشراق سمائه وجماله، وهؤلاء الفتيات الخمس اللائي وضعهن يوماً في السيارة وسار بهن من بيروت إلى أحد مصايف لبنان حيث قضى معهن سهرة أحياها إلى الصباح. . . لقد جلس بينهن أمام مائدة قد صف عليها جميع أنواع الكحول، وتكدست فوقها أصناف النقل المتنوعة والأثمار المشكلة. . . وما أسعدها ليلة قضاها موفق بين نزعات الهوى الباسم ونغمات الهواء البليل الناعم، يتمتع بمغازلة خمس حسان من أجمل الفتيات وأرشقهن قدوداً وأعذبهن صوتاً وأحلاهن حديثاً. . . وما أهنأها ليلة وما أجملها، تنشق موفق النسمات اللطيفة التي ينفحها جو لبنان الصافي العليل.

غير أن الأوراق المالية كانت في هذه الليلة تسيل من جيبه كما كانت الشمبانيا تسيل من القوارير.

كان موفق يفعل هذا كله لإرضاء نفس لا يستطيع كبحها، وأهواء ليس في وسعه ردها؛ ولم يذكر موفق أن الحب، الذي يدعونه بالحب الخالص الصافي، قد خالط نفسه يوماً من الأيام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>