الفرنسية عذراً، إذا قلنا إننا لم نستطع أن نكتشف في الباريزية كثيراً من هذا السحر وهاته الأناقة؛ فالمرأة الباريزية تعتمد في جمالها وسحرها على المظاهر والصناعة أكثر مما تعتمد على الحقيقة؛ وهي تكثر من صباغة الشعر والأظافر وتفرط في استعمال المساحيق؛ والشقرة هي لون الشعر المحبوب في باريس، ولكنها شقرة صناعية في الغالب؛ والواقع أن الباريزية لا تتمتع بذلك اللون الوردي الباهر الذي تتمتع به الإنكليزية أو النمسوية مثلاً، بل يغلب عليها اللون الثلجي أو اللون الباهت، فتعمد في تجميله إلى الصناعة؛ ويبدو عناء التجمل وفي وجهها دائماً؛ وأما عن الأناقة فإن الباريزية لا تتمتع منها بقسط كبير، فهي تميل إلى الأزياء المعقدة أو الغريبة، وتكثر من الألوان بلا تناسق؛ والخلاصة أن الباريزية تعشق المظاهر، وتفرط في التجمل، وتعتمد على الصناعة؛ بيد أنها تتمتع مع ذلك بخفة روح لا شك فيها.
وإن أولئك الذين عرفوا فينا وباريس معاً، يعرفون كم تحوي فينا من الجمال النسوي الرائع، وأي صباحة ورشاقة وأناقة طبيعية تتمتع بها الفتاة النمسوية، وأي فرق شاسع بين هذا السحر الطبيعي وبين ذلك السحر الصناعي الذي تلجأ إليه الباريزية في تكلف وعناء.
ويصح أن نشير هنا إلى مسألة الصحة العامة والنظافة الشعبية، فقد لاحظنا أن الصحة العامة ليست في أوجها، وأن الشباب لا يتمتع بكثير من النضرة ومظاهر القوة والفتوة؛ وتبدو مظاهر السقم والعناء على وجوه الطبقات العاملة من رجال ونساء؛ وقد لاحظنا فوق ذلك أن هذه الطبقات وربما بعض الطبقات الوسطى أيضاً لا تعنى كثيراً بمسألة النظافة؛ وإنه ليكفي أن تركب المترو ظهراً أو مساء حين يكتظ بالعمال والمستخدمين لتدرك هذه الحقيقة، ولا تشذ عن ذلك أسراب الفتيات الحسان؛ وربما كان في ظروف حياة هذه الطبقات ما يفسر هذه الظاهرة، فالنظافة تحتاج إلى كثير من النفقة، والاستحمام في باريس ترف يصعب على الفقراء الإكثار منه؛ وفي الفنادق المتوسطة قد يكتفي بغرفة حمام واحدة في طبقات الفندق كلها؛ والغرفة ذات الحمام الخاص ترف رفيع لا يسمع به إلا في الفنادق الأرستقراطية؛ وهذه حقائق لا يصعب على السائح اكتشافها.
والى هنا نقف في حديثنا عن باريس وعن الحياة الباريزية والمجتمع الباريزي؛ ولقد قلنا في بدء هذه الفصول إننا لا ندعي الوصول إلى أعماق المسائل والشؤون، وإننا إنما ندون