الجمهور الحاشد، والأعين ترمقهما من كل صوب؛ بل ترى في أقبية المترو، في المنعطفات المستترة أو حين ينسدل الظلام كثيراً من المناظر الغرامية المريبة.
وتكثر مثل هذه المناظر المثيرة أو المريبة مساء في منعطفات مونمارتر وبيجال وكليشي وفي المراقص والحانات الليلية.
ولا تختص باريس وحدها بهذه المناظر الإباحية، فقد رأيت في الجنوب أثناء انتظاري بمحطة ناربون جماعة رياضية من طلبة الجامعات شباناً وفتيات وقد ارتدى الجميع الثياب الرياضية واشترك الفتيات في ارتداء السراويل القصيرة التي تترك الساقين عاريين؛ وفي أثناء انتظار القطار جاءت الفتيات فجلست كل واحدة منهن في حجر فتى، وساقاها العاريتان على ساقيه العاريتين وأخذ الجميع ينشدون النشيد الجمهوري، وقد طوق كل فتى فتاته بلا حرج.
ولكن من الإنصاف أن نقول إن الطبقات الدنيا هي التي تذهب في فهم الحب والحريات الاجتماعية إلى هذا الابتذال المثير.
على أننا نعرف كما يعرف الذين زاروا العواصم الأوربية الأخرى أن رقص العراء المطلق لا يسمح به إلا في باريس، وأنه يندر أن ترى في غيرها من العواصم مثل هذا الابتذال العلني في مناظر الحب والغرام، أو مثل هذه المجلات والكتب الجنسية التي تغمر باريس.
وإذا كانت الحريات الاجتماعية في برلين وفينا مثلاً لا تقل إطلاقاً وتسامحاً عنها في باريس، فإن معيار الحياء يرتفع فيهما كثراً عنه في باريس؛ ومن النادر أن ترى في الشارع أو الحديقة أو الترام أمثال هذه المناظر الغرامية المكشوفة التي تراها في باريس.
وإذا كانت باريس قد اشتهرت دائماً باللهو الخليع، فتلك شهرة في محلها، وباريس تموج بالملاهي الخليعة من كل ضرب، وتغمرها بالليل ريح شاملة من المرح الخليع، ومن الغريب أن هذه الملاهي يعلن عنها بمنتهى البراعة، وتصور في إعلاناتها وبرامجها كأنها أروع ما انتهى إليه الفن؛ فإذا ازدلفت إليها منيت بخيبة الأمل، ورأيت الابتذال بعينه، وأدركت ما في هذه الدعاية الخلابة من ختل وتضليل.
ولقد تحدثوا كثيراً عن سحر الباريزية وأناقتها ورشاقتها؛ ونحن نستميح عشاق العاصمة