تلك الثورة، إذا لم تعمل الحكومة لتحسين الأجور وتأمين العمال على حقوقهم ورفاهتهم، كنا نسمع ذلك في مقاهي باريس ومطاعمها وشوارعها.
وكما أن الحريات السياسية تتخذ ألواناً من التطرف والإفراط فكذلك الحريات الاجتماعية في فرنسا.
ولا ريب أن معظم المجتمعات الأوربية تتمتع بحريات اجتماعية واسعة، ترجع إلى نظام المجتمع ذاته، والى ما تتمتع به المرأة من حريات مطلقة، كما ترجع إلى روح القوانين، والى فهم المبادئ الأخلاقية ومعيار الحياء بطرق وأساليب خاصة.
ولكن لا ريب أيضاً أن فهم الحريات الاجتماعية يتخذ في فرنسا ألواناً من التطرف قد لا يسيغها كثير من المجتمعات الأوربية، كما يتخذ التساهل في فهم معيار الحياء ألواناً تستهجنها المجتمعات الأخرى.
مثال ذلك منائر العري التي حدثناك عنها في مقال سابق؛ ففي باريس تنتشر مسارح العرى؛ وتعرض المناظر والرقصات العارية في أفخم مسارح باريس مثل الفولي برجير والكازينو دي باري، ويعلن عنها في أكبر الصحف مثل الطان والفيجارو والجورنال والماتان وغيرها، وتعرض أسراب الراقصات العاريات بلا حرج، ويعتقد القضاء أن هذا الضرب من التمثيل العاري عمل فني لا اعتراض عليه، ويتحدث النقدة الفنيون في الصحف المحترمة عن نجاح مس جوان وارنر (ملكة العراء المطلق) وعن رقصاتها العارية.
وفي باريس تصدر مجلات جنسية كثيرة، ويكتب بعضها بأساليب مثيرة، وينشر صوراً عارية، وإعلانات غرامية هي اتجار مكشوف بالحب، ولنمثل لذلك بمجلة (فروفرو) التي ربما كانت أكثر تحفظاً من غيرها، كذلك تعرض الكتب الجنسية بكثرة في المكاتب ومع الباعة وتلقى رواجاً مدهشاً.
وفي باريس ترى مناظر الحب في النهار وفي الليل، في الشارع وفي الحديقة، وفي المقهى، وفي المترو؛ ومن المناظر العادية أن ترى فتى وفتاة يتبادلان القبلات الحارة وقد أمسك الفتى بخصر الفتاة، أو يتبادلان العناق المضطرم؛ ترى ذلك في أي وقت وأي مكان، وتراه بنوع خاص في أقبية المترو، وفي المترو ذاته، ولا يمنع ذلك أن يكون وسط