وقد رُوي أن سهل بن أبي غالب صنف كتاباً في سير الجن وأحوالهم ورفعه إلى الرشيد، فقال له الخليفة: إن كنت رأيت ما ذكرت فقد رأيت عجباً، وإن كنت اخترعت ما رأيته فقد وضعت أدباً. ولكن أحداً من معاصري ذلك المؤلف أو من جاءوا بعده لم يحفل بهذا الضرب من الأدب، وأهمل الكتاب حتى ضاع.
أقصيت الخرافة عن حظيرة الأدب العربي، وتركت للعامة يخففون بالاستماع إليها أعباء عيشهم، ويُسرُّون بالإنصات إلى مغامراتها ومصاولاتها هموم حياتهم المتشابهة الرتيبة، ويلونها لهم القُصاص بألوان الدول المتعاقبة والأحوال المتوالية، وتنفث فيها السياسة أحياناً أغراضها، حتى أتيح لها مَن دونها فكان منها أقاصيص ألف ليلة وليلة، وعنترة ومهلهل، وسيف بن ذي يزن، وقد اطلع عليها بعض أدباء العربية في العصر الذي دونت فيه فاستخفوا بها ونبذوها.
بيد أن تلك الأقاصيص على عاميتها وركاكة أسلوبها، وفحش بعض مواقفها، تحوي من روائع الوقائع، وجميل المناظر، وآثار الخيال، ما يعوز الأدب العربي كله؛ وبفضل ما فيها من روعة وجمال وخيال قد نالت الخلود وحظيت بالشهرة والترجمة إلى شتى اللغات، وأعجب بها من الغربيين من لم يسمعوا بحِكَمِ المتنبي، وأمثال الطائي، وبديع ابن المعتز.