قصص لا أساس لها وخرافات من خلق الخيال والجهل وجهت الباحثين إلى وجهة مضلة جعلت التاريخ يظلم أهل مصر في تلك العصور، فيصمهم بأقسى الوصمات والتهم، وكان للدكتور بتلر فضل إظهار الحق وإعادة الكرامة المصرية إلى ذكرى أهلها.
ولما فتح العرب مصر كانوا لا يعبأون بغير الفتح في أول فورة التوسع والنضال، وما كانوا يخرجون من حرب إلا ليدخلوا في غمار حرب جديدة، ولم يكن لهم سجلات عند ذلك يقيد بها تسلسل الحوادث ولا يثبت فيها وصفها، فلم يكن بد من أن يلجأ المؤرخون في القرون التالية إلى روايات المحدثين وقصاص الأخبار؛ وكان المؤرخون يبذلون في التحري عن أخبارهم جهد المستطاع، ولكنهم مع ذلك كانوا لا يجدون مناصاً من تلقفها من أصحابها وإسنادها إلى أصحابها تخلصاً من عبء الأمانة، ولهذا صار تاريخ الفتوح العربية خليطاً من الأخبار والقصص والروايات؛ فإذا أراد باحث أن يتتبع سلسلة من الحوادث وجد نفسه حيال إبهام شديد وغموض يسد عليه السبل؛ ثم تتابعت العصور على هذه الأخبار فتناولها الباحثون وتصرفوا فيها واستخدموها في تأليفهم بالزيادة والنقص والتصرف، حتى صارت الأخبار الصحيحة مختفية تحت طبقات أخرى من الركام المتخلفة من العصور المتعاقبة.
فإذا نظرنا إلى عمل الدكتور بتلر نظرة عادلة عرفنا مقدار خدمته لتاريخ مصر، إذ استطاع أن يستخرج تاريخ العصر الروماني في مصر أولاً، وأن يصفي أخبار العصر العربي الأول مما شابه من القذى والصدأ. ولقد كان عمله عظيماً في نواح متعددة لا نستطيع هنا حصرها. على أننا نضرب مثلاً أو مثلين منها:
نشأت خرافة سخيفة في العصور المتأخرة من التاريخ الإسلامي وهي خرافة إحراق العرب لمكتبة الإسكندرية عندما تم لهم فتحها، ولسنا ندري على سبيل التحقيق ما هي الخطوات الأولى التي أدت إلى خلق تلك الخرافة، ولكن أحد المؤرخين أوردها في بعض مؤلفاته فرددها من جاء بعده، ومازال صداها يتردد بعد ذلك حتى صار الناس يتلقونها بغير تمحيص ويوردونها موارد الحقائق الثابتة التي لا يرون ضرورة لمناقشتها؛ واتخذ أهل الأغراض تلك الخرافة وسيلة يتوصلون بها إلى الحط من شان المدنية العربية والغض من الذكاء العربي. وأي وسيلة أنجع في الدعاية على العرب والإسلام من أن يذكر اسم مكتبة