للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإسكندرية العظمى ويقال إن العرب قد أحرقوا تلك الثروة الفكرية النادرة وأبادوا بذلك ما خلفته أذهان النوابغ في كل العصور القديمة؟

ولقد كان للدكتور بتلر الفضل الأكبر في أنه تتبع أثر تلك المكتبة كما يتبع الرائد آثار الأقدام وهو هادئ النفس مطمئن العين حتى أظهر لأهل القرن العشرين تقلب القرون الماضية على تلك المكتبة وبين لهم ما آل إليه أمرها على يد قيصر ثم على يد أحزاب المسيحية الأولى المتحمسة التي دفعتها حماسة الدين أو سورة العصبية إلى القضاء على ذلك الأثر العلمي النفيس.

ولقد حمد المنصفون للدكتور بتلر ذلك المجهود العظيم في إظهار الحق والإبانة في نصرته، وكان من بين هؤلاء المنصفين اللورد كرومر إذ كتب إلى ذلك المؤلف خطاباً خاصاً جاء فيه: (لقد قضيت القضاء الأخير على تلك الخرافة السخيفة، خرافة إحراق العرب لكتبة الإسكندرية).

ولعل الدكتور بتلر أول من حاول محاولة منتجة أن يكشف القناع عن شخصية لم تزل منذ بدء الإسلام مثار التساؤل والإبهام ألا وهي شخصية (المقوقس) فإنه استطاع بعد جهد عظيم وبحث علمي يكاد يكون معجزاً أن يبين للناس من هو ذلك الرجل أو من هم هؤلاء الذين أطلق عليهم ذلك الاسم. ولم يكن في بحثه يدع ثغرة للإبهام ولا للشك، بل كان ينخل الحقائق ويصفيها حتى لا يتسرب إليها في أثناء البحث ما يشوبها.

ولقد كان من أكبر آماله أن يرى كتابه منقولاً إلى لغة العرب، ولكن ذلك الأمل قد طال العهد به حتى بلغ نيفاً وعشرين عاماً، ثم توقفت لجنة التأليف والترجمة والنشر إلى ترجمته، فلما بلغه نبأ ذلك الحدث كان اغتباطه أشد اغتباط حتى أنه لم يتمالك أن لام المصريين في خطاب بعث به إلى بعض أصدقائه على أنهم لم يعنوا بنقل ذلك الكتاب من قبل مع أنه كتاب يخدم تاريخهم ويسد فيه فراغاً عظيماً.

وكان الدكتور بتلر فوق خدمته لتاريخ مصر كثير العناية بما يهمها. ولقد أرسل إليه صديق كتاباً مرة يشير فيه إلى ما جاء في كتابه (فتح العرب لمصر) من أن قبر سيدنا عمرو بن العاص غير معروف، وأن ذلك الصديق ذكر له أن ذكر قبر ذلك الرجل العظيم وارد في بعض المؤلفات العربية وأنه بجوار مدفن سيدنا عقبة بن عامر بالقرافة الصغرى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>