وهل تعربد معاني الصباحة في الوجه المليح كما تعربد عرائس الشعر في قلب الشاعر الذي يقلى الأنوار والظلمات وحوله جيش من الهوى المتمرد والوجد المشبوب؟
إن قلب الشاعر جوهر نفيس، ولولا فضله على الدنيا ما عرف أحد جمال الصبح المشرق، ولا تنبه مخلوق إلى لمح الكواكب ولألاء النجوم، ولا تلفت باحث إلى شعر ابن زيدون وقد طمره الزمن بتسعة أحجار تسمى تسعة قرون.
- ٧ -
ثم ماذا! بقي أن نشرب صبابة الكأس من نونية شوقي، وكل صبابة في الكأس صاب، بقي أن نتوجع لبلواه وهو يتشوق إلى مصر فيقول:
أرض الأبوّة والميلاد طيبها ... مر الصبا في ذيول من تصابينا
كانت محجَّلة فيها مواقفُنا ... غرّاً مسلسلة المجْرى قوافينا
فآب من كُرة الأيام لاعبُنا ... وثاب من سِنة الأحلام لاهينا
ولم ندع للَّيالي صافياً فدَعتْ ... (بأن نغص فقال الدهر آمينا)
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة ... والبر نار وغى والبحر غسلينا
سعياً إلى مصر نقضي حق ذاكرنا ... فيها إذا نسي الوافي وباكينا
أرأيتم هذا الشعر؟ أرأيتم الخيال في هذا البيت:
فآب من كرة الأيام لاعبنا ... وثاب من سنة الأحلام لاهينا
أرأيتم صورة الهول المقتحم في هذا البيت:
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة ... والبر نار وغى والبحر غسلينا
ثم ماذا؟ بقي ختام القصيدة، وهي أبيات ما قرأتها إلا بكيت على أمي يرحمها الله. وانظروا كيف هفا قلب الشاعر إلى أمه في حلوان:
كنز بحلوان عند الله نطلبه ... خير الودائع من خير المؤدينا
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنا ... لم يأته الشوق إلا من نواحينا
إذا حملنا لمصر أو له شجناً ... لم ندر أي هوى الأمين شاجينا
طيب الله ثراك أيها الشاعر، ورحم والدي ووالديك، فالدعاء في أعقاب شعرك كالدعاء في أعقاب الصلوات.