للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحديث عن المال. وما أرضى لك وإن نسلتك أشراف بني عامر أن تغضي من أمر قريش. أن فيكم أهل البادية لطباعاً غلاظاً ونفوساً يملؤها الطمع أنتم لا تحسون الدين ولا تقدرون الغيب ولا تؤمنون الا بما ترون ولا تخافون الا القوة الظاهرة. لقد كنت احسب أن مقامك الطويل بمكة قد غير نفسك بعض الشيء فإذا أنت اليوم كما كنت يوم أنحدرت من بادية نجد إلى هذه البطحاء. هوني عليك ولا تشغلي نفسك بما لست منه في قليل ولا كثير. لقد أمرني الطائف أن أحتفر ووعدني أن أجد الماء لأسقي الحجيج لا أن أجد الذهب لأغنيك وادخل الخصب على بني عامر. فليس هذا الذهب لي ولا لقريش وإنما مخبوء لأمر يراد وأني لمن قوم لا يحبون الغصب ولا يستأثرون بما ليس لهم ولا يعقدون الحقوق، فان تكن غلظة الأعراب وجفوة البادية وجحودها قد شاقنك فذمي رحالك غداً وألمي بأهلك فهم أحق بك وأدنى إليك. قال ذلك ونهض مغضبا وتركها واجمة بهذا الحديث العنيف تقاوم غيظا لم يلبث أن استحال إلى دموع غلاظ تحدرت على خديها كأنها لؤلؤ العقد قد خانه النظام.

وارتفع صوت عبد المطلب بالتكبير حتى امتلأ به المسجد وفاض من حوله وحتى اضطربت له مجالس قريش في أفناء البيت فخف الناس إليه وهم يقولون: ما نرى ابن هاشم هذا إلا مطروقا يلقى من الجن شططا ويريد أن نلقى منه شططا. اقبلوا إليه سراعاً يزدحمون وقد آلى أشرافهم لئن وجدوه قد ظفر بكنز أو عثر على غنيمة ليغلبنه عليها وليعطنه منها نصيب رجل من قريش وانتهوا إليه. وهو يكبر ويصيح هذا طي إسماعيل هذه بئر زمزم، هذه سقاية الحاج، لقد صدق الوعد وتحقق الأمل.

فنظروا فإذا عبد المطلب قد وجد الماء، وإذا هو يستقي فيشرب ويسقي ابنه، ويرسل الماء بيديه من حوله كأنه يريد أن يسقي الأرض والهواء والناس. هنالك ابتسموا له ورفقوا به وقالوا: لقد بررت بقومك يا شيبة وانبطت لهم هذا الماء يستقون منه إذ ضنت عليهم الينابيع فوصلتك رحم، لتعرفن لك قريش هذه اليد. قال ما أنتم وذاك؟ هذه بئري قد حفرتها، وكشفت طيها بأمر هبط إلى من السماء. وهذا شرب ساقه الله إلى سأسقيكم منه أن أردت. ولكني اسقي الحجيج منه قبل أن أسقيكم فبذلك أمرت وأنا على ذلك قائم. قالوا يا ابن هاشم أنك لتسرف على نفسك. وتشط على قومك وتختلق إلى السماء. أن هذه الأرض ليست لك

<<  <  ج:
ص:  >  >>