ذكرتَ جسيم مطَّلبي وأني ... أخاطر فيه بالمُهج الجسام
أمثلي تأخذ النكباتُ منه ... ويجزع من ملاقاة الحمام
ولو برز الزمان إلي شخصاً ... لخضَّب شعر مفرقه حُسام
وما بلغت مشيئتها الليالي ... ولا سارتْ وفي يدها زمامي
إذا امتلأت عيون الخيل من ... فويل في التيقظ والمنام
ثم ذكر بعد هذا أنه لم يزل معه حتى قال له: أبسط يدك اشهد أنك رسول الله، قال: فبسط يده فبايعته بيعة الإقرار بنبوته، ثم قال:
أيَّ محلٍّ أرتقي ... أيَّ عظيم أتقي
وكلُّ ما قد خلق الل ... هـ وما لم يخلق
محتقر في همتي ... كشعرة في مفرقي
وقد يكون هذا الذي ذكره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي صحيحاً، ولم يكن المتنبي إذا صح أنه ادعى النبوة أول من ادعاها في الإسلام، فقد ادعاها قبله وبعده خلق كثير، وقد يكون هذا غير صحيح؛ وربما يؤيد هذا أن الأبيات الأولى رويت في ديوانه على أنه قالها وقد عزله معاذ في إقدامه في الحرب، وأن الأبيات الثانية لا تتفق مع دعواه النبوة، وكثير من الناس يتخذها دليلاً على إلحاده.
وقد يكون ما رواه ابن جني هو الصحيح، وله شواهد كثيرة في الأدب العربي، ومن هذا أن شاس بن نهار من شعراء الجاهلية لقب بالممزق لقوله:
فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلاً ... وإلا فأدركني ولما أُمزَّق
وأن محصن بن ثعلبة وهو شاعر جاهلي أيضاً لقب بالمثقب لقوله:
رددْن تحية وكنَنَّ أخرى ... وثقبن الوَصاوِصَ للعيون
وأن خداش بن بشر المجاشمي وهو شاعر إسلامي لقب بالبعيث لقوله:
تبعث نمي ما تبعثُ بعد ما ... (م) استمر فؤادي واستمر عزيمي
ومن ذلك أن جران العود العبدي سمي بهذا لقوله:
خذا حذراً يا جارتي فانني ... رأيت جرانَ العود قد كاد يصلح
فخوفهما بسير قدَّ من صدر جمل مسن