ووادي النيل؛ وفي غضون ذلك كان بأس الدولة آخذاً في التدهور والانحطاط من جراء المنازعات السياسية والدينية القائمة فيها؛ أما الشيعة الذين تمسكوا بحصر الخلافة في علي وأبنائه بأمر مقدس، فقد ثاروا مراراً عدة، وانضم إليهم المسلمون الفرس الذين كانوا يمقتون العرب والحكومة الأموية الظالمة، كما كان العباسيون - وهم ذوو وشيجة قربى قوية بالرسول - قادة الاضطراب الذي انتهى بخلع البيت الحاكم نهائياً واستئصال شأفته.
د - الدولة العباسية (٧٥٠ - ١٢٥٨)
كان العرب حتى ذلك الوقت أصحاب السلطان في المجتمع الإسلامي، وقد شمخوا بأنفهم تيهاً على المسلمين من غير العرب وازدروهم، ولكن انعكست الآية بعد ذلك، إذ نجد أنفسنا قد انتقلنا من عصر العصبية العربية إلى عصر النفوذ الفارسي والثقافة الجامعة، وكان صفوة القوات العباسية من فرس خراسان، وشاد العباسيون (بغداد) عاصمتهم الزهراء على أرض فارسية، ونال أشراف الفرس أسمى مناصب الدولة أرفعها في بلاط بني العباس، وإن لم تكن الدولة الجديدة دينية، إلا أنها كانت على الأقل حدية على الدين مجتهدة في أن تحيط نفسها بمظاهر الورع، ونسي العرب والفرس حيناً ما بينهم من خلاف وفروق، وتعاونوا جميعاً كما ينبغي على المسلمين الأتقياء، ولقي التعليم تشجيعاً عظيماً، وكان هذا العصر العصر الذهبي للإسلام، وقد بلغ أوجه أيام هرون الرشيد الزاهرة (٧٨٦ - ٨٠٩). ولما مات تداعت عمد السلام مرة ثانية، وابتدأ نجم الإمبراطورية القوية البأس في المغيب، وأخذت المقاطعات تنسلخ واحدة بعد أخرى عن الخلافة، وتقتطع نفسها منها، ومن ثم ظهرت دول مستلقة كثيرة، بينما صار الخلفاء دمى في أيدي الجند الأتراك، وظلت معظم الأقطار الإسلامية معترفة بسيادتها اسمياً، ولكن منذ أواسط القرن التاسع لم يعد لهم إلا القليل منها، أو لم يعد لهم شان مطلقاً.