السري شاعر من شعراء سيف الدولة كان في صباه يرفو الثياب ويطرزها ثم تولع بالأدب ونظم الشعر وتفنن في التشبيهات والأوصاف فأحسن في كثير منها، وشعره نمط سهل يتحدر عن طبع صاف كما يجري الماء من الينبوع وليس وراءه العلم والفلسفة ولكن وراءه النفس والطبيعة.
وقد قال فيه الإمام أبو هلال العسكري صاحب كتاب الصناعتين: ليس فيمن تأخر من الشاميين أصفى ألفاظاً مع الجزالة والسهولة وألزم لعمود الشعر منه. ويريد أبو هلال بلزوم عمود الشعر تجنب الغموض في تركيب النظم والبعد من تدقيق المعاني تدقيقاً فلسفياً، وذلك رأي كان قديماً في النقد يفرقون بين الشاعر الذي يصنع شعره صناعة عقلية دقيقة وبين المطبوع الذي يرسل شعره في جمال سبكه وصفاء لغته وإشراق معانيه كما يرسل الطائر المتغرد لحنه في التغريد.
وشعر الطبع من أحسن ما يفيد الناشئين في نهضتنا هذه فإنه صقل وجلاء وتصحيح للطريقة وتهيئته للسمو في هذه الصناعة، وديوان السري قوي الأثر في ذلك؛ وهل في الغزل أصفى وأرق وأجمل من مثل قوله:
بنفسي من أجود له بنفسي ... ويبخل بالتحية السلام
ويلقاني بعزة مستطيل ... وألقاه بذلة مستهام
وحتفي كامن في مقلتيه ... كمون الموت في حد الحسام
وله في شكوى الدهر:
يرتد عنه جريحاً من يُسالمه ... فكيف يسلم منه من يحاربه؟
ولو أمنت الذي تجنى أراقمه ... علي، هان الذي تجنى عقاربه