نفوذها في غرب البحر الأبيض وتهديد مركز إنكلترا في هذه المياه؛ ولذلك لم تدخر إيطاليا وألمانيا وسعاً في إمداد الثورة الإسبانية بالسلاح والذخائر والرجال؛ ولم يبق سرا أن أسطول الثوار الجوي كله يتكون من طيارات إيطالية وألمانية، وأن ضباطه جميعاً من الإيطاليين والألمانيين؛ وأن إيطاليا قد اتخذت من جزيرة ميورقة مركزاً لإمداد الثور الإسبانية وتموينها، وإن الإمدادات الألمانية تصل إلى الثوار من الشمال، ومن الغرب بواسطة البرتغال التي تعمل أيضاً في معاونة الثورة وإمدادها تحقيقاً لأطماع ومصالح خاصة؛ وقد ترددت فوق ذلك إشاعة قوية بأن هنالك اتفاقاً سرياً بين الثوار وبين إيطاليا وألمانيا والبرتغال، يقضي بأن تأخذ إيطاليا جزر البليار ثمناً لمعاونتها، وتأخذ ألمانيا جزر الكناري، وتأخذ البرتغال بعض الأراضي المجاورة لحدودها الشرقية؛ وهو اتفاق لا يبعد صدوره من زعماء عسكريين يعملون بمال الأجنبي وسلاحه لسحق الحريات الشعبية في بلادهم وإراقة دماء مواطنيهم على هذا النحو الذريع الذي تطالعنا به الأنباء كل يوم؛ وهذا الاحتمال مما يثير اليوم في فرنسا وإنكلترا أشد الجزع، لأن جزائر البليار على مقربة من المياه الفرنسية وهي واقعة في طريق الجزائر، ولأن حلول إيطاليا بها يعرض سيادة إنكلترا في غرب البحر الأبيض ومواصلاتها الإمبراطورية من طريق جبل طارق إلى أشد الأخطار على أن الدولة الفاشستية في الحوادث الإسبانية على هذا النحو كان له رد فعل مماثل؛ فقد رأت روسيا السوفيتية من جانبها أن تقاوم نفوذ الفاشستية في إسبانيا بمعاونة الحكومة الجمهورية، وقد قابلت المثل بإرسال السلاح والذخائر والطائرات إلى حكومة مدريد، وقد ظهر أثر هذه المعاونة أخيراً بثبات الجنود الجمهوريين وانقلابهم إلى الهجوم في كثير من المواقع حول مدريد؛ ولهذا التدخل الثنائي في الحوادث الإسبانية قصة دولية مضحكة، فقد اقترحت فرنسا في بدء نشوب الحرب الأهلية الإسبانية على الدول أن تتبع إزاءها سياسة الحياد المطلق، ووافقت على هذا الرأي إنكلترا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والبرتغال، وأنشئت لجنة عدم التدخل لتراقب تنفيذ هذه السياسة المشتركة ولكن الدول الفاشستية كانت تعبث منذ الساعة الأولى بمبدأ الحياد، وكانت روسيا تقابلها بالمثل، وقد اشتركت فرنسا أيضا في معاونة حكومة مدريد ولكن بشكل مستتر؛ فلما ظهر أن الدولة الفاشستية تتمادى في معاونة الثورة، رفعت روسيا القناع أيضاً وأنذرت أنها تستأنف كل