حريتها في العمل إذا لم تقم الدول الأخرى، أعني ألمانيا وإيطاليا، بالكف عن مساعدة الثوار؛ والآن تبدو مساعدة روسيا لحكومة مدريد بشكل واضح وتتقاطر السفن الروسية من البحر الأسود إلى مياه برشلونة وبلنسية واليقنت مشحونة بالذخائر والمؤن، وقد يتطور الموقف إلى أشد من ذلك، وقد يفضي هذا التدخل المزدوج غير بعيد إلى مصادمات وحوادث لا تؤمن عواقبها على السلام الأوربي.
لقد غدت الفاشستية مصدر الخطر على سلام أوربا، وكانت البلشفية قبل عامين مصدر هذا الخطر العام، ولكن روسيا السوفيتية رأت في النهاية أنها لا تستطيع أن تبقى في عزلتها الخطرة خصوصاً بعد أن استعادت ألمانيا جيشها وتسليحاتها في ظل الفاشستية الهتلرية، فانضمت إلى جبهة الدول الغربية، وعقدت مع فرنسا الميثاق الشهير الذي اتخذته ألمانيا ذريعة لنقض جميع تعهداتها العسكرية في معاهدة الصلح؛ وقد حل الخطر الفاشستي الآن في تهديد سلام أوربا محل الخطر البلشفي؛ وقوام هذا الخطر مطامع ألمانيا وإيطاليا العسكرية والاستعمارية؛ وقد رأت روسيا أن قيام دولة فاشستية جديدة في إسبانيا مما يقوي جبهة الدول الفاشستية ضدها، فرأت أن تخوض المعركة في إسبانيا ضد التدخل الفاشستي، وأن تعاون حكومة مدريد ما استطاعت لأن في فوزها فوزا للجبهة الديموقراطية التي اندمجت فيها روسيا.
فالمعركة التي تضطرم الآن في إسبانيا هي معركة مبادئ تذكيها المصالح والمطامع السياسية والعسكرية؛ وهي مظهر محلى لتلك المعركة العامة التي تضطرم في أوربا بين الجبهتين الخصيمتين؛ ومن الخطر على سلام أوربا وعلى حريات الأمم الضعيفة أن تنتصر هذه الثورة الفاشستية؛ وربما كان انتصارها نذير حرب أوربية إذا لم تنجح أوربا في حصر هذه الشعلة المضطرمة داخل إسبانيا؛ بيد أن المعركة ستستمر حينا آخر، وقد تتغير مصاير الحرب بين آونة وأخرى، فتحرز الجمهورية الإسبانية نصرها الحاسم، وتتحطم مشاريع الدول الفاشستية، وينجو السلام الأوربي مما يتهدده من الأخطار.