وانحدر زارا من الجبال فما لقي أحداً حتى بلغ الغاب حيث انتصب أمامه شيخ خرج من كوخه بغتةً ليفتش عن بعض الجذور والأعشاب، فقال الشيخ:
- ليس هذا الرحالة غريباً عن ذاكرتي، لقد اجتاز هذا المكان منذ عشر سنوات، ولكنه اليوم غيره بالأمس.
لقد كنت تحمل رمادك في ذلك الحين إلى الجبل، يا زارا، فهل أنت تحمل الآن نارك إلى الوادي؟ أفما تحاذر يا هذا أن ينزل بك عقاب من يضرم النار؟
لقد عرفت زارا، هذه عينه الصافية، وليس على شفتيه للاشمئزاز أثر؛ أفما تراه يتقدم بخطوات الراقصين؟
لقد تبدلت هيئة زارا، إذ رجع بنفسه إلى طفولته. لقد استيقظت يا زارا فماذا أنت فاعل قرب النائمين.
كنت تعيش في العزلة كمن يعوم في بحر والبحر يحمل أثقاله، وأراك الآن تتجه إلى اليابسة، أفتريد الاستغناء عمن حملك لتسحب هامتك على الأرض بنفسك؟
فأجاب زارا: إنني أحب الناس
فقال الشيخ الحكيم: أنني ما طلبت العزلة واتجهت إلى الغاب إلا لاستغراقي في حبهم، أما الآن فقد حولت حبي إلى الله، وما الإنسان في نظري إلا كائن ناقص، فإذا ما أحببته قتلني حبه.
فأجاب زارا: ومن يصف لك الحب الآن! إنني لا أقصد الناس إلا لأنفحهم بالهدايا.
فقال الحكيم القديس: إياك أن تعطيهم شيئاً، والأجدر بك أن تأخذ منهم ما تساعدهم على حمله، ذلك أجدى لهم على أن تغنم سهمك من هذا الخير، وإذا كان لا بد لك من العطاء فلا تمنح الناس إلا صدقة على أن يتقدموا إليك مستجدين أولاً.
فأجاب زارا: أنا لا أتصدق، إذ لم أبلغ من الفقر ما يجيز لي أن أكون من المتصدقين.
فضحك القديس مستهزئاً وقال: حاول جهدك إذن إقناعهم بقبول كنوزك، إنهم يحاذرون المنعزلين عن العالم، ولا يصدقون بأننا نأتيهم بالهبات؛ إن لخطوات الناسك في الشارع وقعاً مستغرباً في آذان الناس. إنهم ليجفلون على مراقدهم إذ يسمعونها فيتساءلون: إلى أين يزحف هذا اللص؟! لا تقترب من هؤلاء الناس. لا تبارح مقامك في الغاب، فالأجدر بك أن