شأوها خلال القرنين التاليين لهذا التاريخ وإن أخذ العرب يتراجعون إلى الوراء سريعاً. وقد طمس الهجوم التتاري - في الغالب - معالم حياتهم الأهلية وإن ظلوا متمسكين في سورية ومصر تحت الحكم التركي بأهداب ثقافتهم كما نراهم يستميتون في الكفاح بإسبانيا ضد النصرانية. وفي أيام ازدهار الدولة العباسية كان أثر العرب الخلص في الأدب الذي حمل اسمهم ضئيلاً قياسياً؛ ولم ألتزم جادة القياس الوطني وإلا استثنيت جميع الأجانب والمولدين الذين كتبوا بالعربية. أما الفرس الذين ألفوا حتى يومنا هذا استعمال الضاد في كتاباتهم الدينية أو الفلسفية فيمكن القول بأن عملهم لا يصور تاريخ الفكر العربي؛ ومن ثم كان من الضروري دراستها معاً كي نصل إلى الغاية المقصودة. ولكن ماذا يكون موقفنا إزاء هؤلاء المؤلفين الكثيرين الذائعي الصيت الذين ليسوا عرباً أقحاحاً ولا فرساً خالصين، بل هم مزيج من الجنسين. أترانا نسترجع أنسابهم ونحاول أن نزن أي دم الجنسين أرجح كفة؟ إن مثل هذه المحاولة يطول أمدها، وليس من ورائها جدوى. والمؤكد أنه بعد العصر الأموي لا يستطاع وضع حد فاصل صحيح بين العناصر الأهلية والأجنبية الموجودة في الأدب العربي، فقد امتزج كل منها بالآخر امتزاجاً قوياً. وإذا كان لا بد من التمييز بينهما إلى أبعد حد مستطاع، فلابد لنا من اتباع طريقة ضيقة واهية في عرض التاريخ الأدبي إذا أصررنا على اعتبار كل منهما منفصلا عن الآخر.
الفصل الأول
سبأ وحمير
قد يمكن القول بأن تاريخ العرب يبدأ بما نعرفه عن أهل سبأ، ولكن كخطوة تمهيدية ينبغي لنا أن نلم ببعض الأجناس التي تعرض علينا صورها في الأساطير والقصص، والتي يعتبرها المؤرخون المسلمون السكان الأصليين للبلاد. ومن بين هؤلاء قوم عاد وثمود، أولئك الذين طالما ورد ذكرهم في القرآن مثلاً للكبرياء والجبروت اللذين أديا بهم إلى التهلكة. وكان موطن (عاد) أرض حضر موت التي تتاخم بلاد اليمن على حدود الصحراء المسماة بالأحقاف. ولا يستطاع الجزم أهم من الجنس السامي من سلالة الآراميين الذين أخضعهم وأبادهم الغزاة المغيرون على بلادهم من الشمال أم أنهم - كما يقرر هومل -