للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ممثلو ثقافة غير سامية خلفت إرم ذات العماد، تلك الجنة الأرضية التي بناها (شداد) أحد ملوكهم. وإن قصة هلاكهم لتروى على النمط التالي: ذلك أنهم كانوا جبارين ضخام الأجسام، يعبدون الأصنام ويقترفون شتى الموبقات، فلما بعث الله فيهم نبيه (هودا) نصح لهم أن يتوبوا عما اقترفوه من الأثام فقالوا له: (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين، إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء). ثم نزل قحط شديد بأرض عاد فأرسلوا بعض رءوسهم إلى مكة ليصلوا عسى أن ينزل القطر ويستقوا، وإذ بلغت رسلهم مكة لقيهم أمير العمالقة (معاوية بن بكر) بالبشر والترحاب، ومد لهم الموائد، فشربوا الخمر ودارت بالدفوف جاريتان ذواتا غناء شجي تسميان بالجرادتين، فألهاهم ذلك عما جاءوا من أجله شهراً كاملاً، فلما حان وقت أوبتهم قام أحدهم ليصلي، فلم يكد ينتهي من صلاته حتى حلقت في السماء ثلاث سحابات مختلفة الألوان إحداها حمراء والثانية بيضاء والثالثة دكناء، ثم رن صوت من خلف السموات يقول (يا قيل: اختر لنفسك وقومك من هذا السحاب) فاختار الرسل السوداء ظنا منهم أنها تعج بالماء، وأنها أكثر السحاب فيضا، وحينذاك أنشد الصوت:

خذها رماداً رمددا ... لا تدع من عاد أحدا

لا والداً تترك ولا ولدا ... إلا جعلته همدا

ثم ساق الإله السحابة السوداء حتى حومت فوق أرض عاد فانبعث منها إذ ذاك ريح صر صر عاتية أفنت الناس جميعاً إلا فئة قليلة لبت نداء هود وأجابته إلى دعوته ونبذت عبادة الأوثان. وإذ ذاك ظهر بطبيعة الحال وعلى ممر الزمن شعب آخر يدعى بقوم عاد الثانية وكان مقره اليمن في مملكة سبأ؛ وإن السد العظيم سد مأرب لينسب إلى ملكهم لقمان بن عاد الذي تحاك حوله طائفة من الخرافات، وكان يكنى بذي النسور إذ أوحى إليه أنه سيعمر ويفنى سبعة أنسر كلما مات واحد خلا إلى آخر

وفي شمال بلاد العرب بين الحجاز وسورية سكن قوم ثمود الذين ورد ذكرهم في القرآن بأنهم كانوا يسكنون مغارات نحتوها في الجبال. ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يجهل طبيعة هذه البيوت المنحوتة في الصخور، والتي لا تزال آثارها قائمة في الحجر (مدائن صالح) على مسيرة أسبوع من شمال المدينة، والتي تدل عليها النقوش

<<  <  ج:
ص:  >  >>